طبقا لما تهواه أنفسهم وتستدعيه عصبياتهم وأخيلتهم، وهم عن الشروط والضوابط التي ذكرناها، معرضون وغافلون.
فالقرآن عند هؤلاء الناس ليس أكثر من خادم لتأييد آرائهم ومذاهبهم وأخيلتهم! ... لهم أن يختاروا ما يشاءون من المذاهب والآراء والتصورات في حق أنفسهم ومصيرهم والكون الذي من حولهم، وعلى القرآن أن يكون طوع آرائهم والخادم الأمين لتصوراتهم وأفكارهم، ولا ضير أن يجرّ القرآن إلى ذلك جرّا، خارج حدود اللغة وضوابطها والحقيقة ومجازها!! ...
فإذا كانت تصوراتهم وقناعاتهم النفسية تقضي بأن عذاب الكافرين يوم القيامة مجرد شعور معنوي مبعثه الشعور بالندامة والخزي، فما أيسر عليهم أن يشطبوا على كل الآيات القرآنية الصريحة ذات الدلالة القاطعة المؤكدة بأنه عذاب جسدي ومعنوي معا، وأن لهذا العذاب أدوات ووسائل مادية محسوسة.
فإن المهم ما توحي به تصوراتهم وأوهامهم لا ما يقرره كتاب ربهم.
قلت لواحد من هؤلاء: إنكم تزعمون أن الشعور بالخزي هو مصدر عذاب الكافرين يوم القيامة، ولكن القرآن يقول صراحة نقيض ما تزعمون، إذ هو يقرر أن الخزي فرع عن دخولهم النار. ألا ترى إلى قوله عزّ وجلّ وهو يعلّمنا كيف ندعوه ونلجأ إليه: (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار) ثم ما علاقة الشعور بالخزي المعنوي بالجلود التي تنضح من شدة العذاب فيبدلها الله جلودا أخرى ليستمر العذاب ... وهو ما يقرره القرآن بعبارة صريحة وقاطعة؟! ...
ورأيت الرجل يذهب في الاعتداد برأيه وتصوراته، مذهبا يجعله غير مبال بكل ما يقوله القرآن خلافا لتصوراته! ... ونحن لا نشك أن هؤلاء إنما يعبدون أفكارهم وقناعاتهم، تلك هي الحقيقة مهما جاءت مغلفة ومقنعة.
والمهم أن تكون أيها القارئ على حذر من أن تسري إليك عدوى تأليه الأفكار والقناعات الذاتية، فتكون بذلك ممّن قال الله عنهم: أفمن اتخذ إلهه هواه ...