قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد: 16].
قيم عالية تدعو إلى الإيمان بالله الواحد القهار الذى لا يغلبه شىء، ويحتاج إلى تثبيت من واقع الحياة، كما يظهر ذلك فى المثل القرآنى.
فى المثل موقفان متقابلان، للحق فى ثباته وبقائه، وللباطل فى اضمحلاله وفنائه، فالحق مهما توارى زمنا لا بدّ وأن يعلو، والباطل مهما يرتفع فإنه لا محالة زائل، وقد ضرب الله المثل حتى لا ييأس أصحاب الحق، وحتى لا يغتر أصحاب الباطل.
يضرب الله بهما المثل من واقع الحياة التى يعيشها الناس، فيرون فيها الباطل وقد ظهر أمره، وفشا فى المجتمع وعلا، حتى أنه يغطى ما عداه من كلمة الحق، ولكنه فى حقيقة أمره زبد أو خبث ما يلبث أن يذهب جفاء، لا حقيقة له، ولا تماسك فيه، فهو كالزبد الذى يعلو فوق سطح الماء، ولكنه لا يثبت معه، يتكوّن ثم يضمحل، وكخبث الحديد الذى يعلو فوق الذهب حين انصهاره.
أما الحق، فهو الباقى الساكن الهادئ كالماء الذى يحيى الأرض بعد موتها، فتسيل به الأدوية على قدر الحاجة، أو المصلحة حسبما اقتضته مشيئة الله وحكمته، فينتفع به من مختلف الوجوه، ويمكث فى الأرض، يبقى بعضه فى منابعه، ويسلك بعضه فى عروق الأرض، إلى العيون، والقنوات، والأنهار. وكالمعدن الصريح الذى ينفع الناس فى الحلى، والأمتعة كالأوانى، وآلات الحرب، ويدوم ذلك مدة طويلة.
وقد يحسب بعض الناس فى فترات من الزمن أن الغلبة للباطل بحكم ما يرون من سطوات الظالمين، وقهر الرجال، والتحكم فى الرقاب، وأن الحق قد انزوى، فلا تسمح له الحياة بالبقاء، أو التغلب على الباطل وأعوانه. هذا الظن، أو الاعتقاد، فى غير موطنه، فالله قد حكم فى محكم قرآنه بقوله: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [الإسراء: 81].
وهكذا مصير كل دعوة حقة، وكل معتقد يقوم على أساس، ونهاية كل عمل طيب، وكل قول طيب، ينقذ الإنسان من نفسه، فلا يتملكه الغرور، ولا تتحكم فيه شهوة