تدفعه إلى المهالك.
وكم جرّ الغرور على أناس من المهالك، فأودى بهم إلى الجحيم، ومثال ذلك واضح من واقع ما عرض القرآن من صور أولئك الذين استبد بهم الغرور فقتلهم، من قصة قارون الذى دفعه الجهل والغرور إلى قوله: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص:
78]، فكانت نتيجته فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [القصص: 81] طريق الانهيار الذى يبدو فى الجهالة المهلكة بحقيقة الكون وخالقه، وحقيقة الإنسان وقدراته، وطبيعة النفس البشرية، وما لها من حدود لا تتعداها فى ملكوت الله.
هذه هى الضوابط التى يجب على المؤمن بحق أن يتخذ منها سلاحا واقيا ضد نزوات الحياة، وخداع الفكر، ونسيان الله خالق هذه الحياة والجدير بالعبادة الحقة، وإذا تخلى الإنسان عن هذه الضوابط، وتسربت إليه النفس الأمارة بالسوء فى المعتقد والفكر، والعمل، فإن هذا يؤدى به فى النهاية إلى الهاوية، ويخرج من هذه الحياة صفر اليدين خاسرا، لا يملك ما يقدمه بين يدى ربه من صالح الأعمال، وهذا المثل القرآنى يوضح هذه الحقائق.
3 - قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [1] [الكهف: 45].
ذكرت آيات قبل هذا المثل توضح حقيقة النفس التى تنسى الله فى وقت الرخاء والنعمة، ولا تذكره جلت قدرته إلا فى وقت الأزمات والشدائد، حين يمسها الضرّ، وتقع بها المصائب فى وقت الرخاء، وإسباغ النعم، تستغرق فى شهواتها ولذائذها، ويتحكم فيها غرورها، ونزوات الحس، وتنسى خالقها الذى أنعم عليها بجليل النعم، وحباها من فضله بالكثير من صحة، وعقل، وتكريم.
صاحب الجنة نسى الله فى نعمه الكثيرة، ولم يعط حق الله فى هذا المال لأصحابه من فقراء ومحتاجين يقاسمونه الحياة بما فيها، فأصبحت هذه الجنة خاوية على عروشها، كأن لم تغن بالأمس، ولم يجد من أحد عونا فى موقفه يزيح عنه ما نزل به من بلاء، أو يخفف [1] مقتدرا: قادرا على الكمال، ومن جملة الشيء: الإنشاء، والإفناء.