نام کتاب : القول المعتبر في بيان الإعجاز للحروف المقطعة من فواتح السور نویسنده : آل خطاب، إياس جلد : 1 صفحه : 139
بلحم من لحم هذه، فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر. وقال الكلبي: كان رجل يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب خبائه فتمر به النعم فيقول: ما رعى اليوم إبل ولا غنم أحسن من هذه، فما تذهب إلا قريباً حتى يسقط منها طائفة وعدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعين ويفعل به مثل ذلك، فعصم الله تعالى نبيه وأنزل هذه الآية." [1] أقول: إن قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الأولى، لم يأت لبيان سبب تنزيل هذه الآية، بل جاء كأنها تقول (لذلك قال الله وإنك لعلى خلق عظيم) وهو ما بيّنته روايات الحديث الصحيحة "عن سعد بن هشام قال: أتيت عائشة فقلت: يا أمّ المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن: {وإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} " [2]، وهو حديث عظيم له دلالات عظيمة، وليس فيه ذكر سبب التنزيل على اليقين، وقد ذكره العلماء في أوصاف الرسول - صلى الله عليه وسلم - خير البشر وخير الأنبياء والرسل؛ لنعلم ما كان عليه نبينا وأنه أحسن الناس خُلقاً، [3] وأما الثانية فلم تكن سبباً في التنزيل، فقد جاءت لتفسير كلمة "ليزلقونك"، وقد تكلم فيها علماء التفسير بما لا مجال لذكره هنا، ومعناها اللغوي أفاد بما أفادته الرواية، وبيان سبب ذكر هذه الكلمة في هذا السياق لا يعمم على الآية، وقد جاء بعدها (ويقولون إنه لمجنون) وهو السبب الرئيسي، مع العلم أن هذه الرواية أفادت بالكثير من العلم، بأن العين حق، وأن الحذر منها واجب، وأن المشركين لم يتركوا طريقاً لمنع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من إتمام رسالته إلا وسلكوه، وغير هذا من الفوائد العظيمة، ولكنها لا تكون سببا لفهم هذه الآية، وأنها نزلت لتعصم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو - المعصوم أصلاً-، فسياق الآية والسورة لا يشير إليه على أي حال من الأحوال، وجل ما يستفاد منها في فهم التفسير أنها نزلت لوصف حالهم من شدة حقدهم عليه - صلى الله عليه وسلم -. وغير هذه الآيات والسور كثير، والأدلة على أن الكتب التي عنيت بأسباب التنزيل احتوت علماً شريفاً بمضمونها، ولكن أسلوب السرد فيها كان محدثاً، والواجب رده لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) [4]، فلا نقول سبب تنزيل هذه الآية أو السورة كذا بالرجوع لهذه الكتب وكأنها معجم ما استعجم من واقع نزول القرآن، بل نأخذ ما جاء في تأويل الآيات والسور مما ورد في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكلام الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم وما جاء في كلام العرب، مراعين لواقع المخاطبين من خلال ما ذكر فيها جميعاً لفهم واقع التنزيل وحال المتلقين، وهذا هو الحق في التأويل. وإن كان الإمام أحمد قد قال: "ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير" فنحن نقول: إن كتب أسباب التنزيل ما زالت من غير أصول، يسّر الله لها من يعطيها حقها.
والأعجب من حصر الأفهام بأسباب ضعيفة السند والمتن ما تجده في قول أحدهم إن قوله تعالى من {اصبر على مَا يَقُولُونَ} - إلى قوله - {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} منسوخ بالأمر بالقتال، [5] ونسي [1] أسباب النزول للواحدي (ص443)، والروايات جاءت لتفسير كلمة (ليزلقونك) كما عند الطبري (564/ 23) وغيره لا في سبب النزول، والكلبي متروك لا يحتج بكلامه. [2] رواه الإمام أحمد (163/ 6) والبخاري في خلق أفعال العباد (ص87): قالت (كان خلقه القرآن) وعبد الرزاق في التفسير (330/ 3)، ورواه مسلم من حديث مطول لابن عباس (512/ 1) كما في رواية عند الإمام أحمد (53/ 6) وأبي داود (426/ 1) والنسائي (199/ 3) وابن خزيمة (171/ 2) وابن حبان (292/ 6) وعبد الرزاق (39/ 3) والدارمي (410/ 1) وابن راهويه (713/ 3) وأبي عوانة (55/ 2) ومحمد بن نصر المروزي في مختصر قيام الليل (ص123). ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (265/ 11) والقاسم بن سلام في فضائل القرآن (ص111): قالت: «قال الله جلّ ثناؤه: وإنك لعلى خلق عظيم، كان خلقه القرآن» ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (541/ 2) (ولم يتنبه للحديث في مسلم كون المتن قطعة من الحديث المطول لابن عباس) والبيهقي في الشعب (22/ 3) ورواه ابن جرير (529/ 23) وأبو يعلى الموصلي (275/ 8) والبرجلاني في الكرم والجود (ص36) والآجري في الشريعة (1515/ 3) وكلهم من غير قولها " لذلك أنزل الله". [3] كما جاء ذكر الحديث في كتاب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي الشيخ الأصبهاني. [4] رواه الإمام أحمد (270/ 6) والبخاري (184/ 3) ومسلم (1343/ 3) وأبو داود (610/ 2) وابن ماجه (10/ 1) وابن حبان (207/ 1) وغيرهم. [5] الهداية إلى بلوغ النهاية (6212/ 10) ولم يكتف بهذا بل فسر الآية على ذات القصة من الإسرائيليات.
نام کتاب : القول المعتبر في بيان الإعجاز للحروف المقطعة من فواتح السور نویسنده : آل خطاب، إياس جلد : 1 صفحه : 139