responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : ابن العربي    جلد : 1  صفحه : 599
وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا مِنْهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَتْ جَمَاعَةٌ: إنَّ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مِقْيَسِ بْنِ صُبَابَةَ، فَإِنَّهُ أَسْلَمَ هُوَ وَأَخُوهُ هِشَامٌ فَأَصَابَ هِشَامًا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَقَتَلَهُ خَطَأً فِي هَزِيمَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ أَخُوهُ مِقْيَسٌ بِمَكَّةَ، فَقَدِمَ مُسْلِمًا فِيمَا يَظْهَرُ.
وَقِيلَ: لَمْ يَبْرَحْ مِنْ الْمَدِينَةِ فَطَلَب دِيَةَ أَخِيهِ، فَبَعَثَ مَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ فِهْرٍ إلَى بَنِي النَّجَّارِ فِي دِيَتِهِ، فَدَفَعُوا إلَيْهِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِقْيَسٌ وَالْفِهْرَيْ رَاجِعِينَ إلَى الْمَدِينَةِ قَتَلَ مِقْيَسٌ الْفِهْرَيَّ، وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام، وَرَكِبَ جَمَلًا مِنْهَا، وَسَاقَ مَعَهُ الْبَقِيَّةَ، وَلَحِقَ كَافِرًا بِمَكَّةَ، وَقَالَ:
شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ مَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... يَضْرُجُ فِي ثَوْبَيْهِ دِمَاءَ الْأَخَادِعِ
وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تَلُمُّ فَتَحْمِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ
ثَأَرْت بِهِ فِهْرًا وَحَمَّلْت عَقْلَهُ ... سُرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ
حَلَلْت بِهِ وَتْرِي وَأَدْرَكْت ثُؤْرَتِي ... وَكُنْت إلَى الْأَوْثَانِ أَوَّلَ رَاجِعِ
فَدَخَلَ قَتْلُ الْأَنْصَارِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] وَدَخَلَ قَتْلُ مِقْيَسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93]، وَكُلُّ وَاحِدٍ بِصِفَتِهِ فِي الْآيَتَيْنِ بِصِفَتِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة كَفَّارَة الْقَتْلِ الْخَطَأِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]: أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ، وَسَكَتَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ عَنْهَا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، مَآلُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا قَالَا: لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا إثْمَ فِيهِ فَفِي الْعَمْدِ أَوْلَى. قُلْنَا: هَذَا يُبْعِدُهَا عَنْ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُوجِبْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِثْمِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا عِبَادَةً، أَوْ فِي مُقَابَلَةِ التَّقْصِيرِ، وَتَرْك الْحَذَرِ وَالتَّوَقِّي، وَالْعَمْدُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: (مُؤْمِنَةٍ) وَهَذَا يَقْتَضِي كَمَا لَهَا فِي صِفَاتِ الدِّينِ، فَتُكْمَلُ فِي صِفَاتِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى لَا تَكُونَ مَعِيبَةً، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَتْلَفَ شَخْصًا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّصَ آخَرَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : ابن العربي    جلد : 1  صفحه : 599
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست