نام کتاب : موقف الشيخ الغزالي من السنة النبوية نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 396
فإن هذا المعنى لا يخرج عن قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2].
وسرد الأمثلة التي من هذا النحو يطول.
ومن القبيل الثاني ـ مثلاً ـ أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ يُؤْكَلَ فِيهَا، وَنَهَى عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ».
فإن هذا الحكم الذي جاءت به السُنَّةُ مشتق من تحريم القرآن للترف واعتباره المترفين أعداء كل إصلاح، وخصوم كل نبوة وعوامل للهدم فى كل أمة: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34].
والنهى عن اتخاذ القبور مساجد ـ وقد جاءت به السُنَّةُ ـ هو في الحقيقة حماية حاسمة للتوحيد الذى ضل عنه النصارى بما اتخذوا من معابد على قديسيهم حتى احتج مشركو مكة بذلك وهم يعارضون الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ} [سورة ص: 7].
وَالسُنَّةُ التى تكون بهذه المثابة في تقرير غايات القرآن المرسومة أو المفهومة. أو التى تفصل مجمله وتوضح مشكله .. تأخذ قسطًا كبيرًا من عناية المسلمين، ومنزلتها من أدلة الأحكام الشرعية معروفة ..
وهناك سنن أخرى تخصص أحكامًا عامة في القرآن.
ففى قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].
بينت السُنَّةُ أن الابن القاتل لاَ حَظَّ له في ميراث.
وفي قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... } [المائدة: 3].
بينت السُنَّةُ أن هناك مباحين في كل من هذه المحرمات: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَان، السَمَكُ والجَرَادُ، وَالكَبِدُ وَالطِّحَالُ».