نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 130
فهو مثاب مأجور عند الله ثواب الصدقة , على ما يؤخذ من ثمرة غرسه ولو لم يكن له فيه نية , مثل ما يأكله السبع والطير , وما يسرق منه السارق , وما يرزؤه به من يرزؤه من غير أن يأذن له فيه.
وهي صدقة باقية دائمة غير منقطعة ما دام هناك كائن حي ينتفع بهذا الغرس أو الزرع.
فأي فضل أعظم من هذا الفضل , وأي حث على الزراعة , آكد من هذا الحث؟ وهذا ما جعل بعض العلماء قديمًا يقولون: إن الزراعة هي أفضل المكاسب. ومن أبلغ وأروع ما جاء في الحث على الغرس والزرع , ما أخرجه أحمد في " مسنده " والبخاري في " الأدب المفرد " عن أنس: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ؛ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ تَقُومَ (أي الساعة) حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَغْرِسْهَا» [1].
وهذا في رأيي تكريم للعمل لعمارة الأرض في حد ذاته , وإن لم يكن وراءه منفعة للغارس , أو لغيره من بعده , فلا أمل لأحد في الانتفاع بغرس يغرس والساعة تقوم!
وليس بعد هذا تحريض على الغرس والإنتاج ما دام في الحياة نفس يتردد فالإنسان قد خلق ليعبد الله , ثم ليعمل وليعمر الأرض , فليظل عابدًا عاملاً حتى تلفظ الدنيا آخر أنفاسها.
وهذا ما فهمه الصحابة والمسلمون في القرون الأولى ودفعهم إلى عمارة الأرض بالزراعة وإحياء الموات.
روى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: «" مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَغْرِسَ أَرْضَكَ؟ " فَقَالَ لَهُ أَبِي: " أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ , أَمُوتُ غَدًا! " فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: " أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَتَغْرِسَنَّهَا! " فَلَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَغْرِسُهَا بِيَدِهِ مَعَ أِبِي!» [2].
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَجُلاً، مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا بِدِمَشْقَ، فَقَالَ [1] رواه أحمد في مسند أنس (3/ 183، 184، 191) والبخاري في " الأدب المفرد " وصححه الألباني على شرط مسلم (" الصحيحة " رقم 9). وأورده الهيثمي في " المجمع " مختصرًا وقال: رواه البزار ورجاله أثبات ثقات: (4/ 64) وفاته أن يعزوه إلى أحمد.
(2) " الجامع الكبير " للسيوطي. انظر " الصحيحة " للألباني: ج 1/ 12.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 130