فهذا التفسير صواب , في أن العبرة بالرؤية لا بالحساب , والتأويل خطأ , في أنه لو حدث من يعرف استمر الحكم في الصوم (أي باعتبار الرؤية وحدها) لأن الأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء مُعَلَّلاً بعلة منصوصة , وهي أن الأمة «أُمِّيَّةٌ لاَ تَكْتُبُ وَلاَ تَحْسُبُ» , والعلة تدور مع المعلول وُجُودًا وَعَدَمًا , فإذا خرجت الأمة عن أميتها , وصارت تكتب وتحسب , أعني صارت في مجموعها ممن يعرف هذه العلوم , وأمكن الناس ـ عامتهم وخاصتهم ـ أن يصلوا إلى اليقين والقطع في حساب أول الشهر , وأمكن أن يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية أو أقوى , إذا صار هذا شأنهم في جماعتهم وزالت علة الأمية: وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت , وأن يأخذوا في إثبات الأهلة الحساب وحده , وأن لا يرجعوا إلى الرؤية إلا حين يستعصي عليهم العلم به , كما إذا كان الناس في بادية أو قرية , لا تصل إليهم الأخبار الصحيحة الثابتة عن أهل الحساب.
وإذا وجب الرجوع إلى الحساب وحده بزوال علة منعه , وجب أيضًا الرجوع إلى الحساب الحقيقي للأهلة , وإطراح إمكان الرؤية وعدم إمكانها , فيكون أول الشهر الحقيقي الليلة التي يغيب فيها الهلال بعد غروب الشمس , ولو بلحظة واحدة [2].
وما كان قولي هذا بِدَعًا من الأقوال: أن يختلف الحكم باختلاف أحوال المكلفين فإن هذا في الشريعة كثير , يعرفه أهل العلم وغيرها , ومن أمثلة ذلك في [1] لا ندري من ذا يريد الحافظ بالروافض؟ إن كان يريد الشيعة الإمامية فالذي نعرفه من مذهبهم أنه لا يجوز الأخذ بالحساب عندهم , وإن كان يريد ناسًا آخرين فلا ندري من هم!! أحمد شاكر: أقول: أظن أن المراد بهم الإسماعيلية. فقد نقل أنهم يقولون بذلك - القرضاوي -. [2] المرجح أن يبقى بعد الغروب مدة يمكن فيها ظهوره، بحيث يمكن رؤيته بالعين المجردة، وذلك نحو (15) أو (20) دقيقة على ما ذكر أهل الاختصاص - القرضاوي -.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 169