فهل كلام الرحم ـ وهي القرابة ـ هنا حقيقي أم مجازي؟ اختلف الشراح. ولكن القاضي عياضًا حمل الحديث على المجاز , وأنه من باب ضرب المثل.
وقال ابن أبي جمرة في " شرح مختصر البخاري " في شرح معنى وصل الله تعالى لمن وصل رحمه: «الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه , وإنما خاطب الناس بما يفهمون , ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه , وإسعافه بما يريد , ومساعدته على ما يرضيه وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى , عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده. قال: وكذا القول في القطع , هو كناية عن الحرمان والإحسان».
وقال القرطبي: «وسواء قلنا أنه يعني القول المنسوب إلى الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت كذا , ومثله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21] الآية , وفي آخرها {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21] فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكيد أمر صلة الرحم , وأنه تعالى [نزلها] منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته , وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول , وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " أخرجه مسلم».
وأعتقد أن هذا اللون من التأويل , بحمل الحديث على المجاز , لا يضيق الدين به ذَرْعًا , على أن يكون مقبولاً غير متكلف ولا متعسف وأن يكون ثمة موجب للتأويل , والخروج من الحقيقة إلى المجاز , على معنى أن يوجد مانع من صريح العقل , أو صحيح الشرع , أو قطعي العلم , أو مؤكد الواقع , يمنع من إرادة المعنى الحقيقي. [1] رواه البخاري في كتاب الأدب وكتاب التفسير من " صحيحه "، ومسلم في البر والصلة، انظر " اللؤلؤ والمرجان ": حديث 1655.
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 179