ومن ذلك تأويل الأحاديث الواردة في شأن المسيح الدجال , الذي أمرنا أن نستعيذ بالله من شر فتنته في كل صلاة ـ بأنها ترمز إلى الحضارة الغربية السائدة الآن , فهي حضارة عوراء ـ مثلما وصف الدجال بأنه أعور , وأنها تنظر إلى الحياة والإنسان بعين واحدة هي العين المادية فقط , وما عدا ذلك لا تراه , فلا روح للإنسان , ولا إله للكون , ولا آخرة بعد هذه الحياة الدنيا.
فهذا التأويل مخالف لما أثبتته الأحاديث المتكاثرة أن الدجال إنسان فرد شخص , يغدو ويروح , ويدخل ويخرج , ويدعو ويغري ويهدد ... إلخ ما صحت به الأحاديث في ذلك , وقد بلغت حد التواتر.
ومن ذلك تأويل بعض الكتاب المعاصرين من المسلمين , الأحاديث التي جاءت بنزول المسيح آخر الزمان ـ وهي أحاديث بلغت حد التواتر كما بَيَّنَ ذَلِكَ جمع من الأئمة الحفاظ [2] ـ أنها ترمز إلى عصر يسود فيه السلام والأمن , فقد اشتهر بين الناس أن المسيح هو داعية السلام والسماحة بين البشر.
ونسى الكاتب أن هذا التأويل يتنافى تمامًا مع مدلول الأحاديث الصحيحة في نزول المسيح , والتي وصفته بضد ذلك: «وَاللهِ، لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الجِزْيَةَ» [3]. فلا يقبل إلا الإسلام , وهذا مناقض كل المناقضة للتأويل المذكور. على أن هذا التأويل يعطي ظلالاً للمقولة التبشيرية والاستشراقية الظالمة , التي تزعم أن الإسلام هو دين السيف , وأن المسيحية هي وحدها دين السلام! هذا مع أن المسيح يقول في " الإنجيل ": «مَا جِئْتُ لأُلْقِي عَلَى الأَرْضِ سَيْفًا»! حتى قال بعض الغربيين: إن المسيح لم يصدق في نبوءة من نبوؤاتِهِ كما صدق في هذه النبوؤة لما قام به [1] رواه أحمد وإسناده قوي كما في " الترغيب " للمنذري. [2] انظر في ذلك كتاب " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " للعلامة أنور الكشميري، تحقيق عبد الفتاح أبي غدة، وقد جمع فيه أربعين حديثًا من الصحاح والحسان، فضلاً عما دون ذلك. [3] متفق عليه من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة، انظر " صحيح الجامع الصغير ": (7077)، و" اللؤلؤ والمرجان ": (95).
نام کتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية - ط الشروق نویسنده : القرضاوي، يوسف جلد : 1 صفحه : 189