وأما وقوعها منهم، فقد قال به ابن السمعاني، ونقل ابن القشيري وإمام الحرمين عن الأكثرين عدم الوقوع، ورجحه الزركشي في البحر المحيط، وهو مذهب أبي بكر بن مجاهد، وابن فورك، ونقل عياض وقوعها منهم عن أبي جعفر الطبري وغيره من الفقهاء [1] . هكذا نقل الزركشي وعياض عن هؤلاء، ونقل عنهم ابن حزم خلاف هذا الإطلاق بقوله:"وذهبت طائفة إلى أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلا، ويجوز عليهم الصغائر بالعمد، وهو قول ابن فورك الأشعري، وذهب جميع أهل الإسلام من أهل السنة، والمعتزلة، والنجارية، والخوارج، والشيعة، إلى أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلا معصية بعمد، لا صغيرة ولا كبيرة، وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فورك، والباقلاني المذكورين، وهذا القول الذي ندين الله تعالى به، ولا يحل لأحد أن يدين بسواه " [2] .
فهذا النص يفيد أنهم قيدوا عدم الوقوع بالعمد، وما نقله الزركشي عنهم مطلق، يحتمل التقييد وعدمه، وأقوالُ أصحاب المقالات، يقع فيها مثل هذا الاضطراب، فقد يُنقَل عن شخص واحد كالأشعري مثلا شيءٌ وضده، وذلك راجع إما لأقوال له في المسألة، أو خطأ في النقل، ولاسيما أن هذه المقالات، تنقل بلا أَزمَّة الأسانيد، التي يمكن تقويمها من خلالها.
وكيفما كان، فما قاله ابن حزم ومن معه، فهو الصواب الذي يجب اعتقاده من أن الصغائر لا تصدر منهم عمدا، فإذا وقعت منهم، فتكون سهوا، أو خطأ. [1] المصدر نفسه 4 / 140/ والشفا للقاضي عياض ص 628. [2] الفصل في الملل والأهواء والنحل /4 / 2 /.