وسبب الخلاف في وقوعها منهم أو عدم وقوعها، اختلافهم في تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، فذهب أبو إسحاق الاسفراييني إلى أن الذنوب كلها شيء واحد، لأنها مخالفة أمرالآمر، وتبعه الجويني بقوله:" المرضي عندنا أن كل ذنب كبيرة، إذ لاتراعى أقدار الذنوب حتى تضاف إلى المعصي بها" [1] ثم في فصلِ عصمة الأنبياء، ذكَر ما يدل على أنه يقر بالتقسيم [2] .
والجويني كثير الاضطراب في تقرير أصول المعتقد، فهو أحيانا يجمع بين الشيء ونقيضه. وقال ابن تيمية: " لم يذكر الله عن نبي من الأنبياء ذنباً إلا ذكر توبته منه، ولهذا كان الناس في عصمة الأنبياء على قولين: إما أن يقولوا بالعصمة من فعلها، وإما أن يقولوا بالعصمة من الإقرار عليها، لا سيما فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، فإن الأمة متفقة على أن ذلك معصوم أن يقر فيه على خطأ، لأن ذلك يناقض مقصود الرسالة، ومدلول المعجزة. …والمقصود هنا أن الله لم يذكر في كتابه عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر توبته منه … واعلم أن المنحرفين في مسألة العصمة، على طرفي نقيض، كلاهما مخالف لكتاب الله من بعض الوجوه، قومٌ أفرطوا في دعوى امتناع الذنوب، حتى صرفوا نصوص القرآن المخبرة بما وقع منهم من التوبة من الذنوب، ومغفرةِ الله لهم، ورفْعِ درجاتهم بذلك، وقوم أفرطوا في أن ذكروا عنهم ما دل القرآن على براءتهم منه، وأضافوا إليهم ذنوباً وعيوبا نزههم الله عنها، وهؤلاء مخالفون للقرآن، [1] الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد -328. [2] انظر ص 228.