المبحث الثاني: في اجتهاد الأنبياء عليهم السلام
هذه المسألة هي التي سيبنى عليها جواب عنوان هذا الموضوع، وهو: هل السنة كلها وحي، أو فيها اجتهاد؟
وفي الموضوع قضايا متفق عليها، وقضايا مختلف فيها.
فأما المتفق عليه، فقد أجمعوا على جواز التعبد بالاجتهاد عقلا للأنبياء عليهم السلام كغيرهم من المجتهدين، وهذا الإجماع حكاه ابن فورك، والأستاذ أبو منصور [1] . وأجمعوا أيضا على جواز التعبد بالاجتهاد للأنبياء فيما يؤول إلى الأمور الدنيوية ومصالحها، وتدبير أمور الحروب، وما يحفظ بيضة الأمة وكيانها، وهذا الإجماعُ حكاه الزركشي [2] ونقله ابن النجار عن ابن مفلح [3] .
وأما المختلف فيه، فقد اختلفوا في اجتهاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأمور الشرعية على أربعة مذاهب:
الأول: ذهبت الظاهرية وأكثر الأشاعرة والمعتزلة، إلى أنه لا يجوز لنبينا ولا لغيره من الأنبياء الاجتهاد في الشرعيات مطلقا، وقال القاضي أبو يعلى: إنه ظاهر كلام أحمد في رواية ابنه عبد الله [4] . [1] انظر إرشاد الفحول – 255. [2] البحر المحيط – 6/214. [3] شرح الكوكب المنير – 4/474. [4] المصدر نفسه.