والاجتهادُ إنما يكون لضرورة، كفقدان النص أو إشكاله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا تتصور فيه هذه الضرورة، وإذا انتفى السبب انتفى المسبب.
(2) لو كان في الأحكام المتلقاة عنه صلى الله عليه وسلم ما يجوز أن يكون ناشئا عن الاجتهاد، لجاز أن لا يجعل أصلا لغيره، ولجاز لغيره من المجتهدين أن يخالفه فيه، وأن لا يكفَّر بذلك، لأن ذلك كله من لوازم الاجتهاد، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم بالضرورة. والمراد باللازم، أن لا يجعل ما اجتهد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أصلا، وأن يخالف فيه، وأن لا يكفر من خالفه في اجتهاده، وهذه كلها لوازم باطلة، فمخالفته صلى الله عليه وسلم محرمة، ويكفر متعمدها، وما تُلقُي عنه من الأحكام هو أصل، فإذا كانت كذلك، بطل أن تكون ناشئة عن اجتهاد، وصح أنه لا يفعل ولا يقول شيئا إلا بوحي، وهو المطلوب.
(3) الاجتهاد لا يدل على الحكم إلا بالظن الغالب عند المجتهد، والنبي صلى الله عليه وسلم قادر على أن يعلم الحكم بالوحي القاطع، والقادر على تحصيل اليقين لا يجوز له المصير إلى الظن.
(4) لو كان صلى الله عليه وسلم متعبَّدا بالاجتهاد لأظهر ذلك، ولما توقف في مسائل عديدة سئل عنها فانتظر الوحي، لمِاَ في توقفه من ترك ما وجب عليه من الاجتهاد، واللازم باطل، فكذلك الملزوم.
(5) الأمور الشرعية، مبنية على المصالح التي لا علم للخلق بها، فلو حكم فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد، لكان غير عالم بالأصلح فيها، ولأدى ذلك إلى الاختلاف فيها، وهذا باطل، وما بني عليه أيضا باطل.