عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "ما ترون في هؤلاء الأسارى" فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أَرى أن تأخذ منهم فدية، فتكونَ لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يا ابن الخطاب" قلت: لا وَاللهِ يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكِّنَّا فنضربَ أعناقهم، فتمكنَ عليا من عَقيل فيضربَ عنقه، وتمكِّنيِّ من فلان -نسيبا لعمر- فأضربَ عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهْوَ ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدَيْن يبكيان، قلت يا رسول الله، أخبرني عن أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكي للذي عَرَض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة" -شجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} [الأنفال:69] فأحل الله الغنيمة لهم" [1] .
ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه في الأسرى فأشار كل بما يرى، فاجتهد في الاختيار من آرائهم، فأخذ برأي أبي بكر، فنزل القرآن يصوب ما رآه عمر، واستشارتُه صلى الله عليه وسلم أصحابَه، دليل على أن المسألة ليس عنده فيها وحي، فلو كان فيها وحي، ما [1] أخرجه مسلم في الجهاد - 3/1385/ حديث 1763.