ج - وأما الاعتبار، فقد استدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم ليس كغيره من المجتهدين فهو معصوم في اجتهاده، فلا يلزم منه ما يلزم في اجتهاد غيره من المحاذير، فافترقا.
ما سبب الخلاف في هذه المسألة؟
وسبب الخلاف في اجتهاده عليه السلام من عدمه، هو أن كل فريق نزع إلى أصل وتمسك به، واعتبره أقوى من الأصل الذي يتمسك به مخالفُه.
فأما الفريق الذي نفى اجتهاد الأنبياء في النوازل والقضايا، فقد بنوا ذلك على أصل، وهو أن الاجتهاد الذي هو استعمال الرأي للوصول إلى حكم، إنما يكون حينما تعوز النصوص في الموضوع وتفقد، فهو إذن ضرورة يُلجَأ إليها، ولا ريب أن الأنبياء، ليسوا كغيرهم في هذه الضرورة، فجبريل يأتيهم بما يشفي في كل ما عَنَّ لهم، فهُمْ بالوحي مستغنون عن الاجتهاد، وما يتلقونه وحيا، مقطوع به مجزوم بحكمه، وقضايا الاجتهاد مظنونة، فمن العبث أن يَترك نبي من الأنبياء عينَ اليقين، ويلجأ إلى تخمين وظنون.
وهذا الفريق قد أول بعض النصوص الدالة على اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لتنسجم مع مقوله، وأبطل دلالة بعضها على المطلوب، ونفى ثبوت بعضها.
وأما الفريق الثاني القائل باجتهاد الأنبياء اجتهادا مطلقا وخاصة نبينا صلى الله عليه وسلم مطلقا، فإنهم بنوا مذهبهم على أصلين:
أحدهما أن الاجتهاد واستعمال الرأي والتدبر في المآلات، من خواص الإنسان التي ميَّزه الله بها عن غيره، وهو من الكمالات الإنسانية التي يشرف بها المرء، فإذا كانت كمالا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى بكل كمال، فهو