والحاصل أن أقوال المفسرين متفقة على أن الحكمة هي السنة، والآيتان الأُوليان صريحتان في أنها تنزل عليه كما ينزل عليه القرآن.
(1) وقولُه تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:105] .
ووجه الدلالة أن الله تعالى بين لرسوله أنه أنزل عليه الكتاب ليحكم بما أعلمه الله وذلك دليل على أنه لا يحكم إلا بما أعلمه به وأوحاه إليه، وقد استدل البخاري -رحمه الله- بهذه الآية لذلك كما سبق، ورأى أن قوله تعالى {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} أي بما أوحاه إليك، وذهب غيره إلى أن معنى "بما أراك الله" من الرأي الذي هو نوع من أنواع الاجتهاد "، وقد استدل بها أبو يوسف على أنه صلى الله عليه وسلم كان متعبدا بالاجتهاد.
قال القرطبي: "بما أراك الله" معناه على قوانين الشرع، إما بوحي ونص، أو بنظر جار على سَنن الوحي، وهذا أصل في القياس، وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا أصاب، لأن الله تعالى أراه ذلك، وقد ضَمِنَ الله تعالى لأنبيائه العصمة، فأَما أحدنا إذا رأى شيئا يظنه، فلا قطع فيما رآه " [1] .
وقال الشيرازي: " ولم يفرق بين ما أراه بالنص أو بالاجتهاد " [2] قلت: وفي هذا المعنى قول عمر على المنبر: " يا أيها الناس، إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه سلم مصيبا، لأن الله كان يريه، وإنما هو منا الظن [1] الجامع لأحكام القرآن – 5/376. [2] التبصرة في أصول الفقة – 521.