responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فيض الباري على صحيح البخاري نویسنده : الكشميري، محمد أنور شاه    جلد : 1  صفحه : 375
الشافعية أيضًا لم يأخذوا بجميع مراتبها، وقيدوها بباطنِ الكفِّ وبكونها بدون حائل.
وهذا بابٌ غَفَلَ عنه النَّاس، فإن الشريعةَ تَرِدُ بشيء وتبقى مراتبُها تحت مراحل الاجتهاد، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُواْ النّسَآء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فمن أخذَه بجميع مراتبه، ومن ذهب إلى وجوبِ الاعتزال وحُرْمة القربان مطلقًا، ولكنهم أقاموا فيه المراتب.
فقال قائل: إنَّ المراد منه أدنى مرتَبةُ الاعتزال، وهو الاعتزال عن موضع الطَّمْث.
وقال آخر: بل هو فوقه، فأراد من السُّرة إلى الركبة، وللغفلة على هذا اضطروا إلى التأويلات في كثير من المواضع، كقوله: «المؤمنُ لا يَنْجَس»، «وإن الماء الطهور لا يُنَجِّسُه شيء» ولو تركوا المراتبَ على الاجتهاد لَمَا احتاجُوا إليه، فسلبُ النجاسة عنه في مرتبة دون مرتبة، وهو معنى قول الطحاوي: أي كما زعمتم، أي ليست نجاستُه بهذه المثابة، وهذه المرتبة.
وهكذا أقول في مسألة الإستدبار والإستقبال تكلموا عليه من الجانبين وأطالوا الكلامَ، وحقيقة الأمر أن الشريعةَ لم ترد فيها بمراتب النهي، فالمطلوب أن لا يتوجه الإِنسان إلى القبلة عند الغائط أما أنَّ أي مرتبة من التَّوقِّي مطلوبٌ فلم يتعرَّض إليه الشارع وتركه تحت الاجتهاد. وهكذا لا تردُ الشريعة إلا بالأمرِ والنهي، ولا تُعَرِّج إلى مراتبه أصلًا، بل يقول تحت الاجتهاد. فيجيء أحدٌ من الأئمة ويقول: إنه واجبٌ، ويقول آخر: إِنه مستحب، وكذا يقول هذا: إنه حرام، ويقول هذا: إنه ليس بحرام. ووجه الاختلاف ما نبَّهناك عليه، فإِذا لم تَرِد مراتبُ الشيء مصرحة من جهة الشرع لا بد لهم أن يختلفوا فيه. ومن ههنا عُلِم ضرُورَة الاجتهاد، فإِنه لولاه لما علمنا مَرَاتب الشيء، ولا أدركنا غَرَضَ الشارع، فإِن الشارع إذا تركه ولن يعرج إليه، فإِذن ليس من يُنبِّهنا إلا المجتهد.
ولعلك ما دريتَ فِقهه بهذا القَدْر من البيان، وتحتاجُ إلى مزيد التِّبْيان. واعلم أنَّ هناك وظيفتان:
الأولى: وظيفةُ الواعظِ المذكِّر، فإِنَّه يحرِّض على العمل ويرغِّب إليه، فيختار من التعبيرات ما يكون أدعى لها، ولا يلتفتُ إلى تحقيق المسألة واستيفاءِ شَرَائطها وموانعها، بل يرسل الكلام، فَيَعدُ ويُوْعِد، ويرغِّب ويرهِّب مطلقًا، ويأمر وينهى، ولا يلتفت إلى مزيد التفاصيل.
والثانية: وظيفةُ المعلم والفقِيه، وهو يريدُ تلقينَ العلم وبيان المسألة. إما العمل بها فبمعزلٍ عن نظره، فيحقق البيانَ ويدقق الكلام ويستوفي الشروطَ ويختارُ من التعبيرات ما لا يكونُ مُوَهِمًا بخلاف المقصود، بل يكون أدلَّ عليه وأقربَ إليه، فلا يرسل الكلام بل يذكرُه بشرائطه ويَعِدُ ويُوْعِد ويرغِّب ويرهِّب بشرائطه.
فهاتان وظيفتان ومنصب الشارع منصبُ المُذَكِّر قال الله تعالى: {إنما أنت مُذَكِّر (21) لست عليهم بِمُصيْطِرٍ (22)} [الغاشية: 21، 22] وليس له منصبُ المعلم فقط، فهو مذكِّرٌ ومعلمٌ

نام کتاب : فيض الباري على صحيح البخاري نویسنده : الكشميري، محمد أنور شاه    جلد : 1  صفحه : 375
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست