responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فيض الباري على صحيح البخاري نویسنده : الكشميري، محمد أنور شاه    جلد : 1  صفحه : 376
معًا، فوجب أن يعبِّر بما هو أدعى للعمل، وأبعد عمَّا يوجب الكسل. وهذا هو التعليم الفطري، فإِن أكثر تعليماته صلى الله عليه وسلّم مستفادٌ من عَمَلِهِ، فما أمر به الناسَ عمل به أولًا، ثم تعلم منه الناس. ولذا لم يحتاجوا إلى التعليم والتعلم. ولو كان طريقُه كما في زماننا لما شاع الدِّين إلى الأبد ولكنه عَلَّمَ الناس بعمله، ثم إذا قال لهم أمرًا اختار فيه الطريقَ الفطري أيضًا: وهو الأمر بالمطلوب والنَّهي عن المكروه ولم يبحث عن مراتبه. قال الله تعالى: {وَمَآ ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ} [الحشر: 7] فهذا هو السبيل الأقوم.
أما البحث عن المراتبِ فهو طريقٌ مستحدَثٌ، سلكَه العلماء لفسادِ الزمان. وأما الصحابة رضي الله عنهم فإنَّهم إذا أمروا بشيء أخذوه بجميع مراتبه، وإذا نُهُوا عنه تركوه بالكلية، فلم تكن لهم حاجة إلى البحث. ولو كان الشارعُ تعرَّض إلى المراتب لفاته منصبُ المذكِّر، ولانعدمَ العمل، فإِنه إذا جاء البحثُ والجدلُ بَطَل العمل.
مثلًا لو قال تعالى: فاعتزلوا النساء عن موضع الطَّمْث ولا تقربوه فقطه واستمتعوا بسائر الأعضاء، لربما وقع الناس في الحرام، لأنَّ مَنْ يَرتعُ حول الحِمى يُوشكُ أن يقع فيه، وإنَّما أخذَ الاعتزال في التعبير ليكون أسهلَ له في العمل، ولا يقعوا في المعصية.
وكذلك إذا أحب أمرًا، أمر له مطلقًا، ليأتمر به النَّاس بجميع مراتبه، ويقع في حيز مرضاه الله تعالى مثلًا، قال: من ترك الصلاة فقد كَفَرَ، ولم يقل فَعَلَ فِعْلَ الكفر، أو مُستحِلًا، أو قارب الكفر، مع أنه كان أسهلَ في بادىء النظر، لأنه لو قال كذلك لفات غرضُه من التشديد ولانعدم العمل، ولذا كان السلف يكرهون تأويله.

فالحاصل: أنه إذا يأمرنا بشيء فكأنه يريدُ العملَ به بأقصى ما يمكنُ، بحيث لا تبقى مرتبةٌ من مراتبه متروكةً، وكذلك في جانب النهي، ولذا كان يقول عند البيعة: «فيما استطعتم» فبذل الجُهد والاستطاعة لا يكون إلا إذا أجملَ الكلام وإذا فصَّل يحدثُ التهاون كما هو مشاهد في عمل العوامّ وعامة العلماء. أما الذين لهم وَجَاهةٌ عند الله، وقَبُولٌ في جَنَابِهِ، فهمُ الذين لا تُلْهِيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله.
فإِن كنتَ هينًا لينًا تستطيعُ أَنْ تقبلَ ما ألقينا عليك من هذا التحقيق، فاعلم أنَّ القرآن أخذَ الملامسة في العُنوان، وهي تتناولُ مسَّ المرأة أيضًا.
لكنَّه لما كان في أدنى مرتبة منه حكمنا باستحباب الوضوء منه، ولم نقل بالوجوب، بخلاف المُبَاشرة الفاحشة فإِنها أشد، فقلنا بإِيجاب الوضوء منها، وبخلاف الجماع فإِنَّه أشدُّ من الكل فقلنا بإِيجاب الغُسْل.
والحاصل: أن إرادة المس باليد في مرتبةٍ تناول اللفظ، وإرادة المباشرة في مرتبة الغرض، يعني أن اللفظَ وإن كان يتناولُ المسَّ باليد أيضًا إلا أن الغَرَض منه هو الجماع والمباشرة، التي هي عبارةٌ من تماسِّ الفرجين. ولمَّا لم يكن المسُّ مرادًا - وإن كان متناولات اللفظ - حكمنا بكونه ناقضًا في أدنى مرتبة، وأوجبنا الوضوءَ منه على خواصِّ الأمة، ومثله قلنا في لحوم الإِبل وما مسَّت النار. وعلى هذا فقد عملنا بالآية بجميع مراتبها. نعم،

نام کتاب : فيض الباري على صحيح البخاري نویسنده : الكشميري، محمد أنور شاه    جلد : 1  صفحه : 376
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست