لم يمنعنا ذلك من النظر في المازري تصيدا من خلال كتابته هنا في المعلم في شرح كتاب الإِيمان، أو من غيره.
وإن كان هذا النص لا يعطينا الفكرة الأخيرة التي استقر عليها المازري لأنه كان في أواسط حياته فلم يكن نصاً أخيراً مما كتبه، حتى نجد فيه ما استقر عليه رأيه سواء في العقائد أو الفقه ولكنه مع ذلك لا نَعْدم الفائدة منه لأنه وثيقة من وثائق حياته.
وإذا كان الغزالي قد جال جولته في المذاهب المختلفة حتى ظَفِر بالحقيقة المرجاة؛ فإن المازري لم يكن مثله، بل له اتجاه خاص، التقى فيه مع الأشعري.
وهو أن الأشعري كان في ذبه عن السنة يجمع بين النصوص ويعرضها عرضا يتماشى هو والعقل، وذلك ما نراه من المازري في جولته التي تصدى فيها للتوفيق بين المبادىء التي نادى بها الأشعري وبين ما جاء في الحديث وإن لم يبد تطابقه مع تلك المبادىء ظاهراً، وأما في نفس الأمر فإنه لا تخالف بينها.
فالظاهرة الأولى في الأشعري هي التوفيق بين مقتضيات العقل، ومقتضيات السمع هي بعينها التي وافقت هوى المازري، فهو قبل كل شيء عقلي متشبع بما يدركه العقل ولا يحب أن يكون العقل مكبوتا، بل يريد من العقل الإنساني أن يكون منطلقاً يجري مع الواقع كما هو شأن العقل في استنتاجه.
فالمازري يحب العقل الواقعي ويجري وراءه سواء في الفقه أو علم الكلام فحين يجعل بعض الفقهاء الحامل المُقرب [97] ملحقة بالمريض المرض المخوف الذي يمنع من النكاح، فإن المازري لا يرتضي منهم ما ذهبوا [97] المقرب من الحوامل هي التي قرب ولادها.