إليه مبينا أن ذلك غير معقول فيعرض مذهبهم على الواقع محكماً له، حتى يتضح أن الواقع ليس في جانبهم.
وذلك أن السيوري [98] ذكر في المطلقة طلاق الخلع [99] وهي قد جاوزت ستة أشهر: لا يراجعها زوجها لأنها كالمريضة، ورأى غيره أن هذا ليس بصحيح فقال المازري وهذا هو الذي نختاره لأن مستند هذه المسألة العوائد. والهالك من الحمل قليل من كثير، وأنت إذا بحثت عن مدينة من المدائن لوجدت أمهات أهلها أحياء، أو موتى من غير نفاس ومن مات منهن في غاية من الندور [100].
نستنتج من كلام المازري هذا أنه يعتمد على البحث لإِظهار الحقيقة فهو يراها مجنية منه دون أن يراها كما يراها الغزالي في الإِلهام أو البصيرة حيث وجد العقل يخطىء، وكذلك الحواس تخطىء.
وهذا هو ما عند صاحبنا في الوصول إلى الصواب والحكم الحق؛ وإن كنا غير جازمين بذلك لأن ما رآه الغزالي موصلاً هو في العقيدة، وما رآه المازري هو في الأحكام الفرعية، وشتان ما بين العقيدة والحكم الفرعي، لكن مسلك الرجل لا يختلف في منهجه حيث إنه إذا أجرى ذلك في الأحكام، فهو يرتضي ما أجراه فيها في غيرها لأن الأحكام الفقهية وإن لم تكن من الأمور العقائدية إلا أنها أحكام متبعة أدى إليها الاجتهاد فلا بد فيها من التحري حتى لا تخرج عن منهج الشرع الحنيف لأن الناس تتقلدها على أنها أحكام شرعية مستنبطة مما سنّه الإِسلام من مبادىء قائمة ممتدة غاية الامتداد بسبب أنها أصول جامعة تحتوي على ما وراءها. [98] السيوري هو أبو القاسم عبد الحق بن عبد الوارث المعروف بالسيورى. [99] طلاق الخلع هو الطلاق بعوض وهو من الطلاق البائن. [100] شرح المواق (ج 3 ص 482).