وبطلانها بخروج الوقت، وليس كذلك آخر أوقات باقي الصلوات، فإنها لا تعرف حقيقة إلا بعد الاعتبار والتدقيق، فإذا صلى المصلي بعض صلاة الظهر آخر وقتها؛ ودخل عليه وقت العصر ولم يتم صلاته، فإنه لا يحس بدخول وقت العصر ما لم يهتبر الظل، وكذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء، إذا أخر صلاة العشاء إلى آخر الليل؛ فإنه لا يكاد يدرك أول جزء يطلع من الفجر؛ لأنه إذا لم يضئ له الشرق ويتسع؛ لم يكد يدرك طلوعه، وحيث كانت صلاة الفجر وصلاة العصر مخالفتين لها في الصلوات بهذا الوصف الذي ذكرناه؛ خصصهما بالذكر. واللَّه أعلم- ولأنها قد جاء لهاتين الصلاتين من الفضيلة ما لم يأت لغيرهما لقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [1] وقوله -عز من قائل- {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [2] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -.
"فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" [3]، ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} الغروب، وقد سماهما صلاة البردين، والعصرين، وحث عليهما في غير موضع، وقال.
"يتعاقب فيها ملائكة الليل وملائكة النهار" [4] ونحو ذلك، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فلو لم يبين لهم صحة صلاة من أدرك ركعة من هاتين الصلاتين، لظن أن الصلاة تفسد بدخول هذين الوقتين وهو يصلي، فعرفهم ذلك ليزول هذا الوهم. [1] النور: [36]. [2] آل عمران: [41]. [3] أخرجه البخاري (554). [4] أخرجه البخاري (555)، ومسلم (632)، من حديث أبي هريرة، لكل بلفظ (يتعاقبون فيكم ملائكة ..) والظاهر أن المصنف -رحمه اللَّه- ذكره بالمعنى.