المطلب الثالث تطبيقات معاصرة لمصرف الفقراء والمساكين
وفيه خمس مسائل:
المسألة الأولى: صرف الزكاة لحفر الآبار للفقراء
لم أقف على كلام للفقهاء المتقدمين في حُكْمِ حفر الآبار للفقراء من الزكاة، إلّا أنّ اتفاقهم على وجوب تمليك الفقراء لمال الزكاة [1] يقتضي المنعَ من صرف الزكاة في ذلك؛ لعدم تحقق التّمليك عندئذ، وإنّما المتحقق لهم من ذلك هو السقاية من تلك الآبار، وهي إلى الإباحة أقرب منها إلى التّمليك [2]، وقد أصدرت الهيئة [1] ينظر: بدائع الصنائع 2/ 39، فتح القدير 2/ 267، المعيار المعرب 1/ 399، المجموع 6/ 157، أسنى المطالب 1/ 393، الفروع 2/ 619، مطالب أولي النهي 2/ 150، وقد استدلوا على ذلك بأدلة منها:
قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة: 60].
وجه الدلالة: أن اللام في قوله: {لِلْفُقَرَاءِ} دالة على التّمليك.
ولأن الله سمهاها صدقة، وهي لا تكون إلا مع تمليك التصدق عليه.
قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] في ثمانية وعشرين موضعًا، والإيتاء دال على الإعطاء، وهو يكون مع التّمليك عند الإطلاق. ولأن مقصود انتفاع الفقير وإغنائه لا يتحقق إلا بالتّمليك. [2] يراد بالإباحة هنا: ما كان من المكلفين لا من الشارع، وقد عَرَّفَها بعض الفقهاء كالزركشي في المنثور 1/ 73 بأنها: تسليط من المالك على استهلاك عين أو منفعة، ولا تمليك فيهما.=