"فتأملنا هذا الحديث فوجدنا فيه إخبار حذيفة لابن مسعود أنه قد علم ما ذكره له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتَرْكَ ابن مسعود إنكارَ ذلك، وجوابَه إياه بما أجابه في ذلك من قوله لهم:
"حفظوا" أي: قد نُسخ ما قد ذكرته من ذلك، "وأصابوا" فيما قد فعلوا، وكان ظاهرُ القرآن على ذلك، وهو قول الله عز وجل: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} , فعمَّ المساجد كلَّها بذلك، وكان المسلمون عليه في مساجد بُلدانهم" [1] اهـ.
ثانيا: أنه محمول على بيان الأفضلية، قال الكاساني رحمه الله: "فأفضل الاعتكاف أن يكون في المسجد الحرام، ثم مسجد المدينة، ثم في المسجد الأقصى، ثم في المساجد العظام التي كثرُ أهلها" [2] اهـ.
والحاصل: أن مذهب حذيفة غريب مهجور [3] مخالف
(1) "مشكل الآثار" (4/ 20).
(2) "بدائع الصنائع" (2/ 113). [3] ومثله مذهب عطاء الذي خصَّه بمسجِدَيْ مكة والمدينة، وابن المسيب بمسجد المدينة.