المغول؛ فقد انسابت جيوش جنكيز خان انسياب الثلوج من قُنن الجبال واكتسحت في طريقها الحواضر الإسلامية، وأتت على ما كان لها من مدنية وثقافة، ولم يتركوا وراءهم من تلك البلاد سوى خرائب وأطلال بالية، وكانت تقوم فيها قبل ذلك القصور الفخمة المحاطة بالحدائق الغناء والمروج الخضراء، فبعد أن تحول جيش المغول عن مدينة هراة خرج أربعون من أهلها من مخبئهم فرارًا من الموت، وكان هؤلاء التعساء هم البقية الباقية من سكانها الذين كان يربو عددهم على المائة ألف، ووقفوا مهطعين مقنعي رءوسهم يبكون أطلال مدينتهم، وقد أخذ الهلع والفزع من نفوسهم كل مأخذ[1].
والواقع أن غزو المغول للشرق الأدني سنة 617هـ هو أعظم كارثة حلت بالإنسانية. ويصف المؤرخ ابن الأثير هَوْل تلك الحادثة بهذه الكلمات: "لقد بقيت عدة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها كارها لذكرها؛ فأنا أقدم رِجلًا وأؤخر أخرى، ومن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، إلا أنني حدثتني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعًا، فنقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى، التي عقت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال [1] تاريخ الإسلام السياسي: 3/ 140.