لأن نون التوكيد أكدت فيه الفعلية، فردته إلى أصله وهو البناء على أن أيًّا جاءت شاذة في بابها، والشواذ لا تورد نقضًا على القواعد المطردة. ألا ترى أن الأصل في كل واوٍ تحركت وانفتح ما قبلها أن تُقلب ألفًا نحو: باب، ودار، وعصا، وقفا، والأصل فيها: بوب، ودور، وعصو، وقفو، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا.
ولا يجوز أن يورد -يعني: أن يدخل في هذا الباب- القود والحوكة أيضًا؛ لشذوذه في بابه، فكذلك هنا، وأورد السيوطي ما ذكره أبو البركات الأنباري في الفصل الحادي والعشرين من (لمع الأدلة) من حديث عن اختلاف العلماء في وجوب إبراز المستدل وجه المناسبة والإخالة، وإظهارها عند مطالبة الخصم بذلك، أو عدم وجوب ذلك قال الأنباري: "اعلم أن العلماء اختلفوا في ذلك" يعني: في إبراز الإخالة والمناسبة عند المطالبة، وأوضح الأنباري أن العلماء قد انقسموا إزاء ذلك قسمين: فذهب قوم إلى أنه لا يجب إبراز الإخالة، وذهب آخرون إلى وجوب إبرازها، ولكل حجته ودليله، وقد بدأ أبو البركات الأنباري بسوق حكم القائلين بعدم الوجوب، وحجتهم، فذكر أن قومًا قالوا: لا يجب أي: لا يجب على المستدل إبراز المناسبة عند مطالبة خصمه بذلك، كأن يستدل المستدل على جواز تقديم خبر كان عليها فيقول: هي -أي: كان- فعل متصرف، فجاز تقديمه -أي: تقديم الخبر- عليها قياسًا على سائر الأفعال المتصرفة أي: في جواز تقديم مفعولاتها عليها لقوتها بالتصرف.
فإذا طالبه الخصم بوجه الإخالة والمناسبة بين كان وباقي الأفعال المتصرفة حتى يسوغ هذا الحمل، فلا يجب عليه إبراز ذلك. واستُدلَّ على عدم وجوب ذلك بأن المستدل أتى بالدليل بأركانه التي أثبتها علماء أصول النحو، وهي الأصل،