والفرع، والعلة الجامعة، فلا يبقى عليه إلا الإتيان بوجه الشرط، وهو الإخالة، وليس على المستدل بيان الشرط؛ بل يجب على المعترض بيان عدم الإخالة التي هي الشرط لصحة القياس. وذلك بأن يأتي بما يمنع المناسبة بين الحكم والوصف، ولو كلفنا المستدل أن يذكر الأسئلة، لكلفناه أن يستقلَّ بالمناظرة وحده، وأن يورد الأسئلة ويجيب عنها، وذلك لا يجوز؛ لأنه إلزام بما لا يتوقف عليه القياس.
وذهب قوم آخرون إلى وجوب إبراز الإخالة والمناسبة بين الأصل والفرع، وحجتهم في ذلك أن الدليل إنما يكون دليلًا إذا ارتبط به الحكم وتعلق به، وإنما يكون مرتبطًا ومتعلقًا به إذا بان وجه الإخالة، قال أبو البركات الأنباري معقبًا على رأي القائلين بوجوب إبراز الإخالة بحجة أن عدم وجوبها يُزيل الارتباط بين الدليل والحكم: "وأجيب بوجود الارتباط -يعني: بين الدليل والحكم- فإنه قد صرح بالحكم، فصار -أي: الحكم- بمنزلة ما قامت عليه البينة بعد الدعوى، فأما المطالبة بوجه الإخالة والمناسبة فمنزلة عدالة الشهود، فلا يجب ذلك على المدعي أي: لأنه عليه إحضار الشهود لا القدح فيهم، ولكن على الخصم أن يقدح في الشهود أي: فإذا قدح الخصم في الشهود فعلى المدعي حينئذ تزكيتهم، وإظهار عدالتهم. فكذلك لا يجب على المستدل إبراز الإخالة، وإنما على المعترض أن يقدح". انتهى ما أورده الأنباري من اختلاف العلماء في وجوب إبراز المناسبة، أو عدم وجوب ذلك.
ونحن نلحظ أن الأنباري قد رجح في هذا الخلاف الرأي الذي صدر به المسألة، وهو رأي القائلين بعدم الوجوب، وختم الخلاف بالرد على حجة القائلين بالوجوب، ففندها، وأيَّد رأي مخالفيهم وما ذهب إليه هو الصواب.