منه؛ لأن جزء الشيء لا يعمل فيه، وقد نسب هذا الرأي للكسائي، وقد ترك قياس الأصول لدليل اعتمد عليه، وهو ملازمة هذه الأحرف للمضارع في الأحوال الثلاثة، ولم تعمل مع عاملي النصب والجزم؛ لقوتهما عنها.
وذهب بعضهم إلى أن المراد بالاستحسان تخصيص العلة، ومعنى تخصيص العلة عدم اطرادها، ومثال تخصيص العلة: ما جاء في جمع أرض جمعًا سالمًا لمذكر بالواو والنون رفعًا، والياء والنون نصبًا وجرًّا، مع أنها ليست عَلَمًا لمذكر ولا صفةً له، فقد فقدت شروط جمع المذكر السالم؛ لأنها اسم جنس جامد مؤنث، وإنما جُمِعت هذا الجمع، فقيل: أرضون، عوضًا من حذف تاء التأنيث؛ لأن الأصل أن يقال في أرض: أرضة، بالهاء الدالة على التأنيث؛ لأنها علامة لفظية، فهي أصل لتقديرها، فلما حُذِفت التاء في اللفظ مع بقاء معناها جُمعت بالواو والنون عوضًا من التاء المحذوفة. ونلحظ: أن هذه العلة غير مطردة، فالعرب قد خصصوا هذه اللفظة بجمعها جمع مذكر سالمًا، ولم يُسمع ذلك في نظائرها من كل اسم مؤنث حُذفت منه تاء التأنيث، نحو: شمس وقِدر ودار، فإن الأصل في هذه الكلمات الثلاث: شمسة وقدرة ودارة، ولا يجوز أن تجمع بالواو والنون، فلا يقال: شمسون ولا قدرون ولا دارون؛ لأن هذا الباب سَماعي يُقتصر فيه على ما ورد، ولا يتعداه إلى غيره.
كما نلحظ: أن الاستحسان لا يكون إلا عن دليل؛ لأن فيه عدولًا عن القياس، ولا يعدل عن القياس إلا بدليل، ولذلك نعَى الأنباري على مَن أجاز الاستحسان بلا دليل، وذكر أن القائل بذلك لا يُلتفت إلى قوله ولا يُعول عليه، وأن ما حكي عن بعضهم من أن الاستحسان هو ما يستحسنه الإنسان من غير دليل، فليس عليه تعويل. وبعد أن عَرَضْنا مذهبي العلماء في الاستحسان نشير