إلى أن ابن جني كان ممن يأخذون به، وقد أفرد له بابًا وبين في مقدمة هذا الباب أن علة الاستسحسان ضعيفة غير مستحكِمة، يعني: أنه لما كان الاعتماد فيه على ما يقابل الجلي من القياس كان جِماع أمره أن علته ضعيفة غير محكمة، إلا أن فيه ضربًا من الاتساع والتصرف.
مناقشة أمثلة الاستحسان التي وردت في (الاقتراح) في ضوء نص ابن جني
إنه مع ضعف علة الاستحسان وعدم إحكامها وجدنا ابن جني قد ساق كثيرًَا من الأمثلة مستدلًّا عليها بالاستحسان، وعليه اعتمد السيوطي، فنقل في (الاقتراح) بعض هذه الأمثلة وأعرض عن بعض، كما نقل مثالًا عن صاحب (البديع).
المثال الأول: تركك الأخف إلى الأثقل من غير ضرورة كقلب الياء واوًا في الأسماء، نحو قولهم: الفتوى، والبقوى -أي: الإبقاء- والتقوى، والشروى -أي: المثل- يقال: فلان لا يملك شروى نقير، أي: معدم، فإن الأصل فيها وفي نحوها أن يكون بالياء بأن يقال: فَتِي وبقي وتقي وشري؛ لأن الكلمة الأولى من فتي بالكسر: يفتَى فتًى، فهو فتي السن بَيِّنُ الفتاء، والثانية من بقي يبقَى، والثالثة من وقَى يقِي، والرابعة من شرَى الشيء يشريه. ولكن العرب قد خالفوا هذا الأصل فقلبوا الياء فيها واوًا من غير استحكام علة، أي: من غير علة قوية توجب قلب الياء واوًا؛ لأنه يمكن بقاؤها على حالها من غير مخالفة شيء من الأصول، وإنما قلبوا استحسانًا للقلب، وإيماءً للفرق بين الاسم الذي على وزن فَعلى كالأسماء المذكورة، والصفة التي على هذا الوزن، نحو: صديى مؤنث صديان، أي: عطشان، ونحو: خزيى.