فقد روي قوله: "تحدثه" بروايتين: الرفع تحدثُه، والنصب: تحدثَه، فاستدل الكوفيون برواية النصب على أن كما تأتي بمعنى كيما ويكون المضارع بعدها منصوبًا، وذهب البصريون إلى أن كما لا تكون بمعنى كيما ولا يجوز نصب المضارع بعدها، وحجتهم في ذلك: أن رواية النصب في "تحدثه" لم يذكرها إلا المفضل بن سلمة بن عاصم أبو طالب الضبي النحوي اللغوي الكوفي، المتوفى نحو سنة تسعين بعد المائتين من الهجرة، فقد ذكر رواية النصب وحده، أي: هو الذي ذكر البيت برواية "تحدثَه" وله -أي: للمفضل هذا- اختيارات اختار المحققون خلافها، وقد أجمع الرواة من البصريين والكوفيين على رواية الرفع، فلما كان رواة الرفع أكثر وأعلم وأحفظَ كانت روايتهم راجحةً على رواية النصب، وبذلك يكون الإسناد هو الذي رجَّح أحدَ النقلين على الآخر. ومعنى الترجيح بالمتن: أن يكون أحد النقلين موافقًا للقياس ويكون النقل الآخر مخالفًا له، فيكون الدليل الذي جاء موافقًا للقياس أولى بالقبول وأحق، كما يكون أولى بالترجيح، ومثاله قول الشاعر طرفة بن العبد:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
قوله: "أيهذا الزاجري"، أي منادى بإسقاط حرف النداء، والتقدير: يا أيها، وها: للتنبيه، وقد ذكرت وصلة كما هو معروف، والإشارة نعت لأي، والزاجري: أي: الذي يزجرني ويمنعني ويكفني، وهو نعت لاسم الإشارة، والوغى: الحرب، وقوله: "هل أنت مخلد" معناه: هل تضمن لي البقاء والخلود إذا أحجمتُ عن القتال ومنازلة الأقران؟.
وقد روي قوله: "أحضر" بروايتين: الرفع "ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى"، وبالنصب: "ألا أيهذا الزاجري أحضرَ الوغى". واستدل الكوفيون برواية النصب