على أن الأصل أن أحضرَ فدل على جواز إعمال أنْ محذوفةً في غير مواضع حذفها المقررة في علم العربية، ومنع ذلك البصريون، إذ إِنَّ أَنْ لا يجوز إعمالها عندهم محذوفةً في غير مواضع حذفها، وردوا قول الكوفيين بقولهم: إن رواية الرفع جاءت موافقةً للقياس، ووجه موافقتها له -أي: للقياس- أن أنْ من عوامل الفعل المضارع وهي ضعيفة، فينبغي ألا تعمل من غير عوض، ويدل على ضعفها أن من العرب من يهملها مظهرةً، ويرفع ما بعدها؛ تشبيهًا لها بما المصدرية كما جاء في قراءة ابن محيصن -وهو أحد القراء الأربعة فوق العشرة- كما جاء قوله تعالى: "لِمَنْ أرادَ أنْ يُتمُّ الرضاعةَ" (البقرة: 233) برفع الفعل المضارع "يتم". ولما كانت أنْ ضعيفة عن العمل كان القياس ألا تعمل وهي محذوفة، وعلى القياس جاءت رواية الرفع في قول طرفة: "أحضرُ الوغى" ولذلك كانت رواية الرفع أولى وأرجح من رواية النصب في البيت المذكور.
ونلحظ على مثال الترجيح في المتن: أن السيوطي قد نقله من (لمع الأدلة) لأبي البركات الأنباري، وقد سبق إلى الترجيح بالمتن ابن جني في كتابه (الخصائص) إذ ذكر أن القياس يكون حَكَمًا بين النقلين المتعارضين، وذلك في مسألة تقديم التمييز على عامله المتصرف، فقد اختلف النحويون في حكم تقديم التمييز على عامله المتصرف، فذهب فريق من النحويين إلى جوازه وعلى رأس هذا الفريق الكسائي والمازني والمبرد وابن مالك؛ قياسًا على سائر الفضلات المنصوبة بفعل متصرف، ولصحة وروده في الكلام الفصيح بالنقل الصحيح، كما قال ابن مالك في شرح (التسهيل) وغيره. وجعله في نظم (الألفية) قليلًا، فقال:
وعامل التمييز قدِم مطلقًا ... والفعل ذو التصريف نزرًا سُبِقَا
فأجاز هذا الفريق -أعني: الكسائي ومن معه- أن يقال -مثلًا: عَرَقًا تصببتُ، مستدلين بقول الشاعر: