أتهجر ليلَى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيبُ
فقد روي البيت بنصب "نفسًا" على التمييز، فتقدم التمييز "نفسًا" على عامله المتصرف "تطيب". ومنع فريق من النحويين أن يتقدم التمييز، وذكروا أن هذه الرواية تقابلها رواية أخرى وهي "وما كان نفسي بالفراق تطيب"، برفع "نفسي"؛ لأنها اسم كان، و"تطيب" خبرها، كأنه قال: وما كان نفسي طيبةً، فتَعَارَض نقلان، وقد منع سيبويه والجمهور تقديم التمييز على عامله المتصرف، وتبع ابن جني مذهب سيبويه والجمهور، ورجح روايةَ الرفع على رواية النصب، وكان القياس هو المرجح؛ لأن التمييز فاعل في المعنى، ولا يجوز تقديم الفاعل على الفعل، فكذلك التمييز. قال ابن جني -رحمه الله: "ومما يَقْبُحُ تقديمه الاسم المميِز وإن كان ناصبه فعلًا متصرفًا، فلا نجيز: شحمًا تفقأتُ، ولا عَرَقًا تصببتُ، فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبل:
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيبُ
فتقابله برواية الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق أيضًا: وما كان نفسي بالفراق تطيب، فرواية برواية، والقياس من بعد حاكِم". وأوضح ابن جني أن التمييز في البيت المذكور في الأصل هو الفاعل في المعنى، فأصل الكلام: تصبب عرقي، وتفقأ شحمي، ثم حُوِّل الإسناد عن الفاعل الواقع مضافًا إلى ياء المتكلم إلى المضاف إليه، أي: إلى ياء المتكلم، فحولت إلى ضمير رفع؛ لوقوعها فاعلًا، فحصل في الإسناد إلى هذا الضمير إبهام، فجِيء بالمضاف الذي كان فاعلًا وجعل تمييزًا، ويقال عنه: إنه تمييز محول عن الفاعل، فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل، فكذلك لا يجوز تقديم المميِز، إذ كان هو الفاعل في المعنى على الفعل.