لمجيء الفتحة قبله أولى وأحجى، فعلى نحو من هذا فليكن العمل فيما يرد من هذا" انتهى.
يدعم ابن جني ما ذكره من أن نحو: بيت وشيخ مما يُحمل على الظاهر، فيُجعل من باب فعل بفتح الفاء وسكون العين مع ورود احتمال كونه من باب ميت وهين أي: من باب فيعل؛ إذ أصلهما مَيْوِت وهيون، وأُبدلت الواو فيهما ياء وأدغمت الياء في الياء، ثم خُفِّف بحذف الياء الثانية وهي العين، لكن مع وجود بعض التصريفات الأخرى يُقطع بصواب حمله على ظاهر حاله، وهو كونه ثلاثيًّا يائي العين، ومما يؤكد هذا الحمل أن سيبويه قد حمل سِيدًا: وهو الذئب أو الأسد على أنه من قبيل يائي العين؛ تناولًا لظاهر حاله مع ورود توجه أن يكون مما عينه واوا قُلبت ياء لعلة تصريفية، بل إن احتمال ورود هذا في لفظ سيد أقوى من احتمال وروده في لفظ بيت وشيخ؛ لأن كسر الحرف الأول في سيد أعون على إحداث قلب الواو ياء عنه في بيت وشيخ، لفتح الأول فيهما.
أما الموضع الثاني الذي تناول فيه ابن جني هذه القضية في (الخصائص) فهو في باب عنوانه: باب في الحمل على الظاهر، وإن أمكن أن يكون المراد غيره، وهذا الباب في (الخصائص) وارد قبل الباب السابق غير أن السيوطي أخَّر الحديث فيه؛ لكثرة ما تضمنه من تفصيلات، ومعنى ما ذكره ابن جني في هذا الباب أن الشيء يجب حمله على ظاهره، وإن كان ممكنًا من جهة العقل أن يكون باطنه بخلاف هذا الظاهر. وقد وصف ابن جني القول بذلك بأنه المذهب، وبأن العمل عليه، وبأن الوصية به فقال: "اعلم أن المذهب هو هذا الذي ذكرناه، والعمل عليه، والوصية به، فإذا شاهدت ظاهرًا يكون مثله أصلًا؛ أمضيت الحكم على ما شاهدته من حاله، وإن أمكن أن تكون الحال في باطنه بخلافه".