جمع ضب، وهو حيوان يعيش في الصحراء يُشبه التمساح الصغير. ويُروى: نحن نأخذ اللغة من حوشة الضباب، والحوشة بفتح الحاء المهملة والواو والشين المعجمة: جمع حاش، ككاتب وكتبة، والقياس إعلاله بقلب واوه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وصُحح شذوذًا يقال: حاش الصيد حَوْشًا وحياشة إذا جاءه من حواليه؛ ليصرفه إلى الحِبالة.
قوله: وأكلة ... إلى آخره، الأكلة: جمع آكل، واليرابيع: جمع يربوع، وهو حيوان معروف كالفأر إلا أنه أطول من الفأر آذانًا وذنبًا، ورجلاه أطول من يديه على عكس الزرافة، والكواميخ: جمع كامخ، وهو نوع من الإدام، ومعناه: أن البصريين قد أخذوا اللغة من الأعراب سكان البوادي الذين لا إلمام لهم بالحاضرة، فأخذوها من منبعها الصافي قبل أن تُكدره دلاء الأعاجم. أما الكوفيون فقد تلقوا اللغة عن الحواضر أهل الأسواق والاختلاط بغيرهم ممن أفسدوا الألسنة، وحرفوا اللغات، فلا عبرة بمن يأخذون عنهم. وخلاصة القول في ذلك: أن البصري أضبط في الأخذ، وأتقن في الاستنباط، وأن الكوفي أوسع في الرواية، وأكثر في النقل. وقد عرف ابن جني الكوفيين ساعة روايتهم فقال في (الخصائص): "أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة" انتهى.
ونشير إلى أن إتقان الأصول عند البصريين، وضبط القواعد لديهم لا يعني خطأ الكوفيين في جميع ما ذهبوا إليه، ولا يعني اتباع البصريين في جميع ما قالوا به، بل الواجب اتباع الدليل، وقد نقل السيوطي عن أبي حيان الأندلسي قوله: "ولسنا متعبدين باتباع مذهب البصريين، بل نتبع الدليل" انتهى. والمراد: أنه ليس مطلوبًا منا اتباع البصريين على وجه التعبد، حتى نقتفي مذهبهم ونأخذ بقولهم، دون أن يظهر لنا وجهه، ونتبين دليله، بل المطلوب هو اتباع الدليل القوي