واهتمامه بالعلة النحوية، ذكر المتقدمون والمتأخرون من النحويين أن لا النافية للجنس تعمل فيما بعدها عمل إن فيما بعدها، بعد أن أطلق سيبويه -وهو إمام النحاة- مقولته المشهورة في صدارة باب النفي بلا في الكتاب، إذ قال: "ولا تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين، ونصبها لما بعدها كنصب إن لما بعدها"، فاجتهد كثير من النحويين في محاولة البحث عن العلاقة التي تربط بين الحرفين؛ لتكون علة لهذا الحمل، فمن قائل: إن إن لتحقيق الإثبات وتوكيده، ولا لتحقيق النفي وتوكيده، فهما نظيران من جهة التحقيق والتوكيد، فيكون الحمل حملًا للنظير على النظير، ومن قائل: إن إن لتوكيد النسبة ولا لنفيها، فحملت عليها حملًا للنقيض على النقيض، ومنهم من رأى بينهما هذين الحملين معًا من جهة التحقيق والتوكيد، ومن جهتي النفي والإثبات.
ورأى العلامة الرضي أن بينهما تنافيًا وتناقضًا لا مشابهة ولا مقاربة، ولما رأى ابن مالك ضعف ما ذكره العلماء من أوجه الشبه بين الحرفين مع كثرة أوجه المخالفة والمفارقة بينهما؛ توصل إلى أن لا النافية للجنس ليست عاملة بالحمل وحده، إنما تعمل بالاختصاص والحمل معًا، فقال في (شرح التسهيل): "إذا قُصد بلا نفي الجنس على سبيل الاستغراق، ورفع احتمال الخصوص؛ اختصت بالأسماء النكرات، لأن قصد ذلك يستلزم وجودَ مِن الجنسية لفظًا أو معنى، ولا يليق ذلك إلا بالأسماء النكرات، فوجب لـ: لا عند ذلك القصد عمل فيما يليها من نكرة، وذلك العمل إما جرٌّ، وإما نصب، وإما رفع، فلم يكن جرًّا؛ لئلا يتوهم أنه بمِن المنوية، فإنها في حكم الموجودة لظهورها في بعض الأحيان كقول الشاعر:
فقام يذود الناس عنها بسيفه ... وقال: ألا ما من سبيل إلى هند
ولأن عامل الجر لا يستقل كلام به وبمعموله، ولا يستحق التصدير، ولا المذكورة بخلاف ذلك، ولم يكن عملها فيما يليها رفعًا؛ لئلا يُتوهم أن عامله