الابتداء، فإن موضعها موضع المبتدأ، ولأنها لو رفعت ما يليها عند قصد التنصيص على العموم؛ لم يحصل الغرض، لأنها على ذلك التقدير بمنزلة المحمولة على ليس، وهي لا تنصيص فيها على العموم، فلما امتنع أن تعمل فيما وليها جرًّا أو رفعًا مع استحقاقها عملًا؛ تعين أن يكون نصبًا، ولما لم تستغن بما يليها عن جزء ثانٍ، عملت فيه رفعًا؛ لأنه عمل لا يستغنى بغيره عنه في شيء من الجمل. وأيضًا فإن إعمال لا هذا العمل إلحاق لها بإن لمشابهتها لها في التصدير، والدخول على المبتدأ والخبر، وإفادة التوكيد، فإن لا لتوكيد النفي، وإن لتوكيد الإثبات، ولفظ لا مساوٍ للفظ إن إذا خُففت، وأيضًا فإن لا تقترن بهمزة الاستفهام، ويراد بها التمني، فيجب إلحاقها بليت في العمل، ثم حملت في سائر أحوالها على حالها في التمني"، انتهى.
وأما ابن هشام: فهو أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري، المتوفى بالقاهرة سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة، قال عنه صاحب (نشأة النحو): "فاق أقرانه بل شيوخه، وتخرج على يده الكثير، صنف المؤلفات المليئة بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، مع التصرف في منهجها، والتنويع في إفادتها مما يدل على الاطلاع الغريب" انتهى. ومن مؤلفاته التي تُعد درة ثمينة في تاج العربية كتاب (مغني اللبيب) يقول ابن خلدون في مقدمته: "ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها، إلى أن قال: فوقفنا منه على علم جمٍّ يشهد بعلو قدره في هذه الصناعة، ووفور بضاعته منها، وكأنه ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل، الذين اقتفوا أثر ابن جني، واتبعوا تعليمه، فأتى من ذلك بشيء عجيب دالٍّ على قوة ملكته واطلاعه، والله يزيد في الخلق ما يشاء"، انتهى.
ومن أمثلة تعليلاته ما أورده في (مغني اللبيب) في مبحث أن المفتوحة الخفيفة، بعد ذكره أنها تُزاد في أربعة مواضع، ما أورده من زعم الأخفش أن أن هذه قد