الأسماء؛ لأنها أسماء كما أنها أسماء"، يريد بهذا الوجه تشبيه ما وقع في الشعر بما وقع في الكلام. ثم أشار إلى الوجه الثاني بقوله: "وقد يبلغون بالمعتل الأصل، فيقولون: رادد في رادٍّ، وضننوا في ضنُّوا، يريد الرد إلى الأصل".
والخلاصة المستنبطة من موقف سيبويه من الضرورة الشعرية: أنه يرى أن العلل النحوية من الوثاقة والقوة بمكان عظيم، وأنها أبعد ما تكون عن الضعف والتمحل، وذلك أنه إذا كان لا مفرَّ من أن يكون لكل ضرورة شعرية يرتكبها الشاعر وجه صحيح في القياس المعتمد تُحمل عليه حتى تكون مقبولة جائزة، وإلا عُدَّت خطأ لخروجها عن قياس العربية، مع أن الشعر لغة العاطفة والوجدان، فإن الأمر بالنسبة إلى ما وراء لغة الشعر، وهو الكلام المنثور أشد وأقوى. ووجه الضرورة هو ما نسميه بالعلة النحوية، وسواء كانت هذه العلة علة تشبيه، أو علة أصل أو غيرهما، إن سيبويه قد رسخ أصلًا واجب الاتباع، ووضع قانونًا لازم العمل به، وأطلق دعوة تحث على البحث والتقصي عن علل الضرائر الشعرية؛ بل والبحث والتقصي في ضوئه وعلى هديه عن علل ما وراء ذلك من الكلام، وعدم التسمح في ذلك، فهل يقال بعد هذا: إن العلة النحوية ضعيفة واهية.
رأي ابن جني وابن الفرخان صاحب (المستوفى) في وثاقة العلة النحوية
إن الحديث عن رأي ابن جني في وثاقة العلة النحوية بعدما قدمناه عنه يُعدُّ من نوافل القول: إن هذا العالم -رحمه الله- ينبغي أن نسميه بحق عاشق العربية، لقد انتهج منهج الفقهاء في استنباط العلل، وكانت غايته -كما ذكرنا- أن يبين حكمة العرب في لغتهم، ويفند حجة من ادَّعى ضعف عللهم، ولأجل هذا راح يبحث عن مكان العلة النحوية بالنسبة لعلل المتكلمين، وعلل الفقهاء، وانتهى إلى أنها أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل الفقهاء.