ولقد حرصنا أن نذكر كثيرًا من الألفاظ التي ذكرها ابن الفرخان كما ورد في كتابه، حتى نقف على صحيح وجهة نظره. لقد وصف العلة النحوية بأنها عند التأمل غير مدخولة بالنقض والإبطال، ولا متسمَّح فيها بعدم التثبت والتحقق، ورفض ما ادَّعاه بعضهم من كونها ضعيفة أو متمحلة أي: مصنوعة بالاحتيال والتكلف، وذلك أن استدلالهم على ذلك بكونها تابعة للوجود أي: بكونها مناسبات تُذكر بعد وقوع الحكم النحوي، فتجري على حسب ما وددته إن كان قويًّا أو ضعيفًا، وليس الوجود تابعًا لها كما هو شأن العلة الحقيقية، فإن الحكم دائر معها وجودًا وعدمًا لا العكس. ومن الواضح أن رأي ابن الفرخان ليس محل الموافقة من العلماء، لما فيه من غلوٍّ غير مقبول، فأن نقول بالتوقيف في اللغة فلا مانع، أما أن نقول: إن العلل توقيفية، فذلك ضرب من ضروب الغلو والإغراء؛ إذ كيف يقال هذا في حين أن الخليل صرح باختراعه الكثير منها.
يقول الدكتور مازن المبارك: "ولا شك أن نظرتنا إلى علل النحو على أنها مزعومة مستنبطة لا تروق الذين يجلون هذه العلل، ويعتقدون أنها فوق ما ندعيه مكانة وأصالة وثباتًا، وأما الذين يبالغون في تقديس هذه العلل، فلن يكون لنا في ودهم نصيب، وسيرفضون كل ما نقول، وكيف لا، وفيهم من يغلو به الظن؛ حتى يزعم أن علل النحو توقيفية".
قال صاحب (المستوفى): "إذا استقريت أصول هذه الصناعة" إلى آخر ما قال. وذكر ملخص ما قال ابن الفرخان وقال: "أفإن كان صاحب (المستوفى) يقول بالتوقيف في اللغة، أفيقول ذلك في كل ما يتصل باللغة من أوضاعها من نحو وعلل، ثم إن كانت اللغة هي التوقيفية، وهي التي نستعملها على وجه الاقتداء والاتباع، أفلسنا نحن الذين تطلبنا وجه الحكمة المخصصة لحال من أحوال تلك