أما الصنف الثاني الذي لم يتعرض له الجليس، فقد بينه ابن السراج في مقدمة كتابه (الأصول في النحو)، وكان لابن جني تعليق وتعقيب على حديث ابن السراج، وذلك بالنسبة للضرب الثاني من الضربين المذكورين الذي سماه علة العلل، ويرى أن الذي سماه ابن السراج علة العلة إنما هو تجوُّز في اللفظ، فأما في الحقيقة فإنه شرح وتفسير وتتميم للعلة.
انقسام العلة إلى موجبة للحكم وإلى مجوزة له
لقد استمدَّ السيوطي في (الاقتراح) مادة هذا العنصر من باب أورده ابن جني في كتاب (الخصائص) بعنوان: باب في ذكر الفرق بين العلة الموجبة وبين العلة المجوزة، وقد أوضح فيه أن أكثر العلل عندنا مبناها على الإيجاب بها يعني: أنها مبنية على أساس أنتج على الحكم بمقتضاها على سبيل الإيجاب الصناعي، فيلحن تاركه أي: تارك الحكم بمقتضى العلة، وينسب إلى الجهل بالعربية.
ومن أمثلة هذا النوع: العلل المقتضية نصب الفضلة أي: ما زاد على ركني الإسناد، وإن توقف عليه صدق الكلام ككثير من الأحوال اللازمة، أو ما شابه في اللفظ الفضلة كخبر كان، ومفعولي ظن، فإنها عمد في الأصل، لكنها شابهت الفضلة، فجرت مجراها، ورفع المبتدأ والخبر، والفاعل وجر المضاف إليه، وغير ذلك؛ فعلل هذه الداعية إليها موجبة لها، غير مقتصر بها على تجويزها، وعلى هذا مفاد كلام العرب أي: فائدة كلامهم. وذكر ابن جني أن هناك نوعًا آخر يسمى علة، وهو ليس كذلك، وإنما هو في الحقيقة سبب يجوز الحكم ولا يوجبه، ومن هذا النوع: الأسباب الستة الداعية إلى الإمالة، فهي علة الجواز لا علة الوجوب، بدليل أنه ليس في الدنيا أمر يوجب الإمالة لا بد منها، وأن كل ممال لعلة من تلك الأسباب الستة لك أن تترك إمالته مع وجودها فيه، فهذه إذن علة الجواز لا علة الوجوب.