كما أن روح الحماس للدعوة الإسلامية، ونشر الدين الإسلامي في أوربا إحدى مآثرهم التي خلدها التاريخ [1] غير أن هذه المآثر لم تجنب الدولة العثمانية الاستمرار في خط الانحراف الذي ورثته عن أسلافها، ثم الزيادة فيه بحسن نية ودون وعي، ومن مظاهر ذلك فيما يتعلق بأصول الحكم ومنهجه أن الدولة العثمانية كانت تطبق عملياً المذهب الحنفي بتعصب، وعارض علماؤها شيوخ الإسلام فتح باب الاجتهاد، ذلك الذي أغلق منذ القرن الرابع لأسباب ليس هذا مجالها، وتتمثل هذه المعارضة في العداء الذي واجهت به الدولة الحركات والأفكار التجديدية التي كانت تنبذ الجمود، وتدعو إلى الانطلاق الفكري المستمد مباشرة من الكتاب والسنة، كدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب 1206، والإمام الشوكاني 1250هوالشيخ الألوسي [2] وغيرهم، وكان من النتائج السيئة لذلك ما يلي:
1 - استمرار الحكم على طريقة الملك الجبرية الوراثية الذي ابتدأ في عهد الأمويين، وقد يقال: إن هذا الأمر أقره العرف، وله إيجابياته لا سيما في أسرة مجاهدة كآل عثمان، ولكن كان في الإمكان على الأقل أن يكون مبدأ الشورى هو القاعدة الأساسية للحكم مع استمرار الخلافة وراثية، أما أن تترك الأمور على تلك الحال فإن الطريق إلى الاستبداد والظلم مهيأة وهو ما حصل -فعلاً- من بعض السلاطين والولاة بصفة خاصة، ثم إن واقع الظروف العالمية كان يحتم ذلك، فقد كان معاصرو العثمانيين من أباطرة وملوك الغرب تضطرب عروشهم تحت مطارق الدعوات التحررية والمطالبة بالمشاركة في الحكم [1] انظر الفصل الخاص بالأتراك من كتاب: الدعوة إلى الإسلام، توماس أرنولد. [2] انظر مثلاً: الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية. علي الحوافظة.