والفرض العين كأصول الإيمان، وشرائع الإسلام، وما يجب اجتنابه من المحرمات، يعرف الغيبة ما حقيقتها، هذا واجب عين، يعرف النميمة، يعرف الحسد، كل مسلم مكلف بترك الغيبة، أليس كذلك؟ كل مسلم مكلف بترك النميمة، وبالاجتناب عن الحسد، واجتناب الحقد، والغل، والفتنة بين المسلمين، نقول: هذه كلها واجبة. إذًا كل مسلم لا بد أن يعرف هذه الحقيقة، ويعرف دليلها من كتاب أو سنة، ومن يرى التقليد في مثل هذه المسائل [يشترط العلم بالدليل]. وما يحتاج إليه في المعاملات ونحو ذلك مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب عليه العلم به، وما عدا ذلك فهو من فروض الكفايات. قال الإمام أحمد: يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه. يجب على المكلف، كل مكلف ولو كان عاميًّا لا يُشترط أن يشتري كتابًا وسمع شريطً، طيب هذا لكن إن لم يفعل له أن يسأل أهل العلم، يرفع السماعة {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7] وليس عندنا إلا عالم وجاهل، {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19] إذًا ليس ثمة إلا عالم أو جاهل، وليس عندنا واسطة، ما يُسمَّى الآن بالمفكِّر أو المثقف هذا إمّا أن يكون عالمً وإمّا أن يكون جاهلاً. والعلم باتفاق أنه يتبعض ويتجزأ، فإذا عرف المسألة بدليلها من كتاب أو سنة نقول: هو عالم بهذه المسألة، إن لم يعلم فهو جاهل، سمِّه مفكرًا سمّه مثقَّفًا سمّه ما شئت، لكن في الحقيقة إما عالم وإما جاهل ولا واسطة بينهم {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7]. إن علمتم فلا تحتاجون إلى السؤال، إن لم تعلموا فواجبكم حينئذٍ السؤال.
قال الإمام أحمد: يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه. لأن الدين قد لا يقوم إلا ببعض الدين، حينئذٍ نقول: هذا العلم به واجب، وما كان وسيلة فحكمه الوجوب، [الوسائل لها أحكام المقاصد]، [ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب]. هذا لا يختص به طلاب العلم، بل هو عام في سائر الأمة، كل مكلف يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه، قيل له: مثل أي شيء؟ مثِّل لنا ما يقوم به دينه؟ قال: ما لا يسعه جهله صلاته وصيامه ونحو ذلك. فكل ما كان الخطاب فيه موجَّهًا إلى المكلَّف ولم يكن ثَمَّ قرينة تدل على أن بعض الأمة إذا قام به سقط عن الآخرين فهو وجوب عيني كالتوحيد ونحو ذلك.