وقال تعالى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [1] أمره بقصر الرغبة على ربه تعالى، وقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [2] ونهى عن الاستعاذة بغيره بقوله تعالى عن مؤمني الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [3].
واحتجَّ الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره على القائلين بخلق القرآن بحديث خولة بنت حكيم مرفوعا: "من نزل مَنْزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات"[4] الحديث، على أن القرآن غير مخلوق، إذ لو كان مخلوقا لَمَا جاز أن يستعاذ بمخلوق؛ لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك، وأمثال ذلك في القرآن والحديث كثير يظهر بالتدبر.
عبادة النصارى وتأليههم للمسيح
وأما قول المعترض: إن النصارى يقولون: إن المسيح ابن الله. نعم قاله طائفة منهم، وطائفة قالوا: هو الله، والطائفة الثالثة قالوا: هو ثالث ثلاثة، وبهذه الطرق الثلاث عبدوا المسيح -عليه السلام-، فأنكر الله عليهم تلك الأقوال في المسيح، وأنكر عليهم ما فعلوه من الشرك كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [5].
فأنكر عليهم عبادتهم للمسيح والأحبار والرهبان: أما المسيح فعبادتهم له بالتألُّه وصرف خصائص الإلهية له من دون الله كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [6]، فأخبر أن الإلهية وهي العبادة حق لله لا يشركه فيها أولو العزم ولا غيرهم، يبين ذلك قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [7].
اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابا
وأما عبادتهم للأحبار والرهبان فإنهم أطاعوهم في تحليل ما أحلوه لهم من الحرام، وتحريم ما حرموه من الحلال عليهم. [1] سورة الشرح آية:7، 8. [2] سورة الأنبياء آية: 90. [3] سورة الجن آية: 6. [4] مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2708) , والترمذي: الدعوات (3437) , وابن ماجه: الطب (3547) , وأحمد (6/377) , والدارمي: الاستئذان (2680) . [5] سورة التوبة آية: 31. [6] سورة المائدة آية: 116. [7] سورة المائدة آية: 117.