ولما قدم عدي بن حاتم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراره إلى الشام- وكان قبل مقدمه على النبي صلى الله عليه وسلم نصرانيا- فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما، تلا عليه هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [1] قال: يا رسول الله، لسنا نعبدهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم".
ففيه بيان أن من أشرك مع الله غيره في عبادته، أو أطاع غير الله في معصيته فقد اتخذه ربا ومعبودا، وهذا بيِّن بحمد الله.
نبذ الشرك وعبادة الله وحده
فلو تأمل هذا الجاهل قول الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [2]، لعلم أن الله قد أنكر على النصارى قولهم وفعلهم، وعلى كل من عبد مع الله غيره بأي نوع من أنواع العبادة، لكن هذا وأمثاله كرهوا التوحيد، وألفوا الشرك وأحبوه وأحبوا أهله، فترامى بهم هذا الداء العضال إلى ما ترى من التخليط والضلال والاستغناء بالجهل ووساوس الشيطان، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ولا شفاء لهذا الداء العظيم إلا بالتجرد عن الهوى والعصبية والإقبال على تدبر الآيات المحكمات في بيان التوحيد الذي بعث الله به المرسلين. كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [3]، ومثل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [4]. أمره تعالى أن يدعو أهل الكتاب إلى أن يخلصوا العبادة لله وحده، ولا يشركوا فيها أحدا من خلقه، فإنهم كانوا يعبدون أنبياءهم كالمسيح ابن مريم ويعبدون أحبارهم ورهبانهم.
وتأمَّل قوله: {كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [5]، وهذا هو التوحيد الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جميع من أرسل إليه كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ [1] سورة التوبة آية: 31. [2] سورة المؤمنون آية: 91. [3] سورة يونس آية: 57. [4] سورة آل عمران آية: 64. [5] سورة آل عمران آية: 64.