أصول ومسائل فروع لم يفرقوا بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين، بل ذكروا ثلاثة فروق أو أربعة كلها باطلة .. " (1)
ويقول رحمه الله: " المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر، بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية.
وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها، وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم". (2)
ثم ذكر رحمه الله بعض الأمثلة التي تثبت وقوع الاختلاف بين السلف في مسائل الاعتقاد، ولم يكفر بعضهم بعضاً، بل عذروا مخالفيهم فيها كما عذروهم في مسائل الأحكام فقال: "وأيضاً فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل، واتفقوا على عدم التكفير بذلك مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه، ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف، وكذلك لبعضهم في قتال بعض، ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض، أقوال معروفة".
ويكمل شيخ الإسلام بذكر مواضع أهم من الخلاف بين السلف في مسائل الاعتقاد، فيقول: "وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ: {بل عجبتُ} (الصافات: 12)، ويقول: إن الله لا يعجب ... فهذا قد أنكر قراءة ثابتة، وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنة، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة.
وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروفاً من القرآن، مثل إنكار بعضهم قوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا} (الرعد: 31) وقال: إنما هي: أو لم يتبين الذين
(1) منهاج السنة (5/ 88).
(2) منهاج السنة (5/ 239 - 240).