وتقييده رحمه الله بالمجمع عليه يخرج من أخطأ في الاجتهاد، بينما الذي يكفر هو المكذب لله ولرسوله الجاحد لحكمهما، لا المخطئ الحريص على متابعتهما.
ويقول القاضي أبو يعلى مؤكداً ذات المعنى: " ومن اعتقد تحليل ما حرم الله ورسوله بالنص الصريح، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله أو المسلمون مع العلم بذلك، فهو كافر كمن حرم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل، والوجه فيه أن في ذلك تكذيباً لله تعالى ولرسوله في خبره، وتكذيباً للمسلمين في خبرهم، ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين". (1)
والتشريع كفر أيضاً من جهة أنه تقديم لرأي من شرعه على شرع الله وحكمه، وهذا ولا ريب من الكفر البيِّن، الذي يحكم بالكفر على قائله، ولو أذعن لحكم الله وانقاد له، يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن تعداده لنواقض الإسلام: " من اعتقد أن غير هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر". (2)
يقول شيخ الإسلام: " ثم إن هذا الامتناع والإباء [أي عن الإذعان والانقياد للشرع]، إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق، وأنفر منه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم
(1) المعتمد في أصول الدين (271 - 272).
(2) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب - قسم العقيدة (386).