وقد يعفى عنه، فيدخلها أولاً". (1)
إذاً يمكننا أن نقول: إن العاصي المتوعد بحرمانه الجنة لا يدخل الجنة ابتداء، والجنة عليه حرام ابتداء، لكنه غير محجوب عنها بالكلية، ونحو ذلك.
وفي المقابل فإن من شهد بالشهادتين ولم ينقضهما كتب الله له الأمان من الخلود في النار، لكن دخولها ابتداء ممكن لأهل الكبائر، وهو متعلق بمشيئة الله، إن شاء أدخله النار بعدله قبل أن يدخله الجنة، وإن شاء تجاوز عنه وعفا برحمته.
وهذا المنهج الوسط لأهل السنة وسط بين إفراط الوعيدية من الخوارج الذين يحكمون بحرمان أصحاب المعاصي من الجنة، ويرون المعصية تخرج من الدين وتُوجب لصاحبها النار، وبين تفريط المرجئة الذين يرون أن الإيمان لا تضره المعصية، ولا تقدح فيه ولا تؤثر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان معنى حديث تحريم الجنة على من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر: "قوله: ((لا يدخل الجنة)) متضمن لكونه ليس من أهلها ولا مستحقاً لها، لكن إن تاب أو كانت له حسنات ماحية لذنبه، أو ابتلاه الله بمصائب كفَّر بها خطاياه ونحو ذلك، زال ثمرة هذا الكبر المانع له من الجنة، فيدخلها، أو غفر الله له بفضل رحمته من ذلك الكبر من نفسه، فلا يدخلها ومعه شيء من الكبر.
ولهذا قال من قال في هذا الحديث وغيره: إن المنفي هو الدخول المطلق الذي لا يكون معه عذاب، لا الدخول المقيد الذي يحصل لمن دخل النار ثم دخل الجنة ... فإذا تبين هذا كان معناه: أن من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ليس هو من أهل الجنة ولا يدخلها بلا عذاب، بل هو مستحق للعذاب لكبره، كما يستحقها غيره من أهل الكبائر، ولكن قد يعذب في النار ما شاء الله، فإنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد، وهذا كقوله: ((لا يدخل الجنة قاطع رحم)). [2] وأمثال هذا من أحاديث الوعيد ..
فالرجل الذي معه شيء من الإيمان وله كبائر قد يدخل النار، ثم يخرج
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 17). [2] مجموع الفتاوى (7/ 678 - 679).