منها إما بشفاعة النبي وإما بغير ذلك كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)). [1] وكما في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) ". (2)
وهكذا الوعيد في قاتل النفس والزاني وشارب الخمر وآكل مال اليتيم وشاهد الزور وغير هؤلاء من أهل الكبائر، فإن هؤلاء وإن لم يكونوا كفاراً، لكنهم ليسوا من المستحقين للجنة الموعودين بها بلا عقاب، ومذهب أهل السنة والجماعة أن فساق أهل الملة ليسوا مخلدين في النار كما قالت الخوارج والمعتزلة، وليسوا كاملين في الدين والإيمان والطاعة، بل لهم حسنات وسيئات، يستحقون بهذا العقاب، وبهذا الثواب". (3)
ومرة أخرى نرى أن جمع النصوص إلى بعضها يبين حقائق معانيها ويزيل الشبهة عما يلتبس من معانيها، فإن الذي حكم بالنار لبعض أصحاب المعاصي - هو نفسه تبارك وتعالى - فتح لهم باب الرجاء في رحمته، ووعد التائبين منهم بالحسنى وزيادة، بل قد تسبق رحمته إلى ذلك العبد، فيكون في رحمته من غير توبة منه، بل بشفاعة الشافعين وجُودِ أرحم الراحمين.
ثالثاً: النصوص التي أسقطت عن العاصي اسم الإيمان
ومما تعلق به المسارعون إلى التكفير أن النصوص الشرعية رفعت عن بعض أصحاب المعاصي اسم الإيمان، فاستلزم ذلك وصفهم بالكفر، لأن الكفر والإيمان نقيضان، حيث رفع الأول ثبت الآخر.
من هذه النصوص قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)). [4] وفي رواية: ((إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، وكان عليه [1] رواه الترمذي ح (2435)، وأبو داود ح (4739)، وأحمد في المسند ح (12810)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (3965).
(2) هو عند البخاري بلفظ مقارب ح (7440).
(3) مجموع الفتاوى (7/ 678 - 679). [4] رواه البخاري ح (6810)، ومسلم ح (57).