كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان)). (1)
ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)). (2)
فالزنا وعدم محبة الخير للمؤمن يناقضان الإيمان، حسب ظاهر النص، وعليه قاسوا غيرها من المعاصي، فصار مرتكب المعصية عندهم كافراً، لأنه ليس مؤمناً بنص وظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -.
لكن المحققين من أهل السنة والجماعة ردوا هذا الفهم الظاهري الضعيف للنصوص بدلالة نصوص أخرى جمعوها إليها، وخلصوا منها إلى فهم يُعمِل جميع النصوص ولا يهملها، ولا يضرب بعضها ببعض.
فلئن وصف الزاني بعدم الإيمان فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع عنه أصل الإيمان، لأنه شهد بإمكانه دخول الجنة، ففي حديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله. ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر)). (3)
قال ابن حجر: "وفي الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، وأن غير الموحدين لا يدخلون الجنة، والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى حق الله تعالى وحق العباد، وكأن أبا ذر استحضر قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر.
لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة، بحمل هذا على الإيمان الكامل، وبحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار". (4)
قال النووي: "فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي
(1) رواه أبو داود ح (4690)، والترمذي ح (2625)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (3924).
(2) رواه البخاري ح (13)، ومسلم ح (45).
(3) سبق تخريجه ص (28).
(4) فتح الباري (3/ 111).