الشيء، ويراد نفي كماله ومختاره، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة". (1)
وقال ابن تيمية: " قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) فنفي عنه الإيمان الواجب الذي يستحق به الجنة، ولا يستلزم ذلك نفي أصل الإيمان وسائر أجزائه وشعبه، وهذا معنى قولهم: نفي كمال الإيمان لا حقيقته، أي الكمال الواجب، ليس هو الكمال المستحب .. ". (2)
قال أبو عبيد بن سلام: "إن الذي عندنا في هذا الباب كله أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيماناً، ولا توجب كفراً، ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت الله به أهله واشترطه عليهم". (3)
ومما يدلل صحة هذا الفهم أن الله شرع الرجم والجلد للزاني، ولو كان كافراً لكان حكمه الاستتابة ثم القتل، يقول ابن تيمية: "ويقال للخوارج: الذي نفى عن السارق والزاني والشارب وغيرهم الإيمان، هو لم يجعلهم مرتدين عن الإسلام، بل عاقب هذا بالجلد، وهذا بالقطع، ولم يقتل أحداً إلا الزاني المحصن، ولم يقتله قتل المرتد، فإن المرتد يقتل بالسيف بعد الاستتابة، وهذا يرجم بالحجارة بلا استتابة.
فدل ذلك على أنه وإن نفى عنهم الإيمان، فليسوا عنده مرتدين عن الإسلام مع ظهور ذنوبهم، وليسوا كالمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فأولئك لم يعاقبهم إلا على ذنب ظاهر". (4)
وقال المروزي رحمه الله: " معنى ذلك كله أن من فعل تلك الأفعال لا يكون مؤمناً مستكمل الإيمان، لأنه قد ترك بعض الإيمان، نفى عنه الإيمان، يريد به الإيمان الكامل .. وإقامة الحدود عليه دليل على أن الإيمان لم يزل كله عنه، ولا اسمه، ولولا ذلك لوجب استتابته، وقتله، وسقطت عنه الحدود". (5)
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 41).
(2) مجموع الفتاوى (12/ 478).
(3) الإيمان (40).
(4) مجموع الفتاوى (7/ 298).
(5) تعظيم قدر الصلاة (2/ 576).