واستدل ابن عبد البر لصحة هذا التأويل بإجماع العلماء على التوارث مع الزاني: "يريد مستكمل الإيمان، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك، بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر - إذا صلوا للقبلة وانتحلوا دعوة الإسلام - من قرابتهم المؤمنين الذين آمنوا بتلك الأحوال، وفي إجماعهم على ذلك مع إجماعهم على أن الكافر لا يرث المسلم، أوضح الدلائل على صحة قولنا: أن مرتكب الكبيرة ناقص الإيمان بفعله ذلك، وليس بكافر كما زعمت الخوارج". (1)
أما النووي، فإنه ينقل الإجماع على عدم كفر الزاني، وبه يستدل على صحة التأويل لألفاظ نفي الإيمان، فيقول: "وإنما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبي ذر وغيره: ((من قال: لا إله إلا الله. دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق))، وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور أنهم بايعوه - صلى الله عليه وسلم - على أن لا يسرقوا ولا يزنوا، ولا يعصوا ....
فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح، مع قول الله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48)، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك، لا يكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان .. وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة". (2)
وعن حكم هذا العاصي واسمه يقول: " ويقولون: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم ". (3)
وأما الإمام أحمد ومن وافقه من المحدثين، فإنهم حكموا بإسلام الزاني وأضرابه، لكنهم توقفوا في إطلاق اسم الإيمان عليه، وقد رفعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله السالف، وأثبتوا له اسم الإسلام وأحكامه، فقال أحمد: "من أتى هذه
(1) التمهيد (9/ 243 - 244).
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 41).
(3) مجموع الفتاوى (3/ 152).